الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ} وَقَالَ عليه السلام {لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَإِذَا تَكَافَأَ الدَّمَانِ مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْأَحْرَارِ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ أَوْ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ قُتِلَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مُكَافِئٍ دَمُهُ مِنْهُمْ الذَّكَرُ إذَا قَتَلَ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى إذَا قَتَلَتْ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ. وَلاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَهُوَ فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ الْمُعَاهَدِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَإِذَا لَمْ يُقْتَلْ بِأَحَدِ الْكَافِرِينَ الْمُحَرَّمِينَ لَمْ يُقْتَلْ بِالْآخَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ قَائِلٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، فَهَلْ مِنْ بَيَانٍ فِي مِثْلِ هَذَا يَثْبُتُ؟ قُلْت: نَعَمْ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ} فَهَلْ تَزْعُمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ حَلاَلٌ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنَّهَا عَلَى جَمِيعِ الْكَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ فَمَا الْفَرْقُ؟ قَالَ قَائِلٌ: رَوَيْنَا حَدِيثَ ابْنِ السَّلْمَانِيِّ قُلْنَا: مُنْقَطِعٌ وَخَطَأٌ إنَّمَا رُوِيَ فِيمَا بَلَغَنَا {أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ قَتَلَ كَافِرًا كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولاً فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ} فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كُنْت قَدْ خَالَفْته وَكَانَ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ، وَخُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ} عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَهْرًا وَأَنْتَ تَأْخُذُ الْعِلْمَ مِمَّنْ بَعْدُ لَيْسَ لَك بِهِ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِنَا. قَالَ وَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَفِيهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ بَلَغَتْ دِيَاتٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله تعالى وَفِي إجْمَاعِهِمْ أَنَّ يَدَهُ لاَ تُقْطَعُ بِيَدِ الْعَبْدِ قَضَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لاَ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ فَإِذَا مَنَعَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ وَهِيَ أَقَلُّ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ كَانَتْ النَّفْسُ أَعْظَمَ وَهِيَ أَنْ تُقَصَّ بِنَفْسِ الْعَبْدِ أَبْعَدُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلاَ جَدُّ مِنْ قِبَلِ أُمٍّ وَلاَ أَبٌ بِوَلَدِ وَلَدٍ، وَإِنْ بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ وَالِدٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا يُؤَكِّدُ مِيرَاثَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يُقْتَلُ بِأَخِيهِ وَلاَ يُقْتَلُ الْجَدُّ بِابْنِ ابْنِهِ وَيَمْلِكُ الْأَخُ أَخَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلاَ يَمْلِكُ جَدَّهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَلَيْسَ كَالْأَخِ. قَالَ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَمَنْ جَرَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ جَرَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ. وَيُقْتَلُ الْعَدَدُ بِالْوَاحِدِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَتَلَ خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالاََ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةَ جُرْحٍ وَالْآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا فَمَاتَ كَانُوا فِي الْقَوْدِ سَوَاءً، وَيُجْرَحُونَ بِالْجُرْحِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ جُرْحُهُمْ إيَّاهُ مَعًا لاَ يَتَجَزَّأُ. وَلاَ يُقْتَصُّ إلَّا مِنْ بَالِغٍ وَهُوَ مَنْ احْتَلَمَ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ حَاضَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ بَلَغَ أَيُّهُمَا كَانَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا عَمَدَ رَجُلٌ بِسَيْفٍ أَوْ خِنْجَرٍ أَوْ سِنَانِ رُمْحٍ أَوْ مَا يَشُقُّ بِحَدِّهِ إذَا ضَرَبَ أَوْ رَمَى بِهِ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ دُونَ الْمَقْتَلِ فَجَرَحَهُ جُرْحًا كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَمَاتَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ، وَإِنْ شَدَخَهُ بِحَجَرٍ أَوْ تَابَعَ عَلَيْهِ الْخَنْقَ أَوْ وَالَى عَلَيْهِ بِالسَّوْطِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ طَيَّنَ عَلَيْهِ بَيْتًا بِغَيْرِ طَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ مُدَّةً الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ فِي شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوْدُ. قَالَ وَلَوْ قَطَعَ مَرِيئَهُ وَحُلْقُومَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ أَجَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ حَشْوَتَهُ فَيُبَيِّنُهَا مِنْهُ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ جَارِحٌ وَالْآخَرُ قَاتِلٌ قَدْ جُرِحَ مِعَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي مَوْضِعَيْنِ وَعَاشَ ثَلاَثًا فَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَانَ قَاتِلاً وَبَرِئَ الَّذِي جَرَحَهُ مِنْ الْقَتْلِ، وَلَوْ جَرَحَهُ جِرَاحَاتٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى عَادَ إلَيْهِ فَذَبَحَهُ صَارَ وَالْجِرَاحُ نَفْسًا، وَلَوْ بَرَأَتْ الْجِرَاحَاتُ ثُمَّ عَادَ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْجَارِحِ مُنْفَرِدًا وَمَا عَلَى الْقَاتِلِ مُنْفَرِدًا. قَالَ: وَلَوْ تَدَاوَى الْمَجْرُوحُ بِسُمٍّ فَمَاتَ أَوْ خَاطَ الْجُرْحَ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخِيَاطَةُ فِي لَحْمِ مَيِّتٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ نَصْرَانِيٍّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ قَوَدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ قَوَدَ فِيهِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلاَ يُشْبِهُ الْمُرْتَدَّ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ مُبَاحٌ كَالْحَدِّ وَالنَّصْرَانِيُّ يَدُهُ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا فَلَمْ يَقَعْ عَلَى نَصْرَانِيٍّ حَتَّى أَسْلَمَ أَوْ عَلَى عَبْدٍ فَلَمْ يَقَعْ حَتَّى أُعْتِقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّ تَخْلِيَةَ السَّهْمِ كَانَتْ وَلاَ قِصَاصَ وَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَالْكَفَّارَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ يُسْلِمُ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ لِتَحَوُّلِ الْحَالِ قَبْلَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ، وَلَوْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلاَ قَوْدَ لِلْحَالِ الْحَادِثَةِ، وَلَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا كَانَ لِوَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتَصَّ بِالْجُرْحِ. قَالَ الْمُزَنِيّ الْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ لاَ وِلاَيَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى مُرْتَدٍّ كَمَا لاَ وِرَاثَةَ لَهُ مِنْهُ وَكَمَا أَنَّ مَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ فِي الْقِصَاصِ مَنْ جَرَحَهُ وَلِيُّ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ مِنْ الْإِبِلِ فَأُعْتِقَ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا دِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَنْقُصُ بِمَوْتِهِ حُرًّا وَكَانَتْ الدِّيَةُ لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ السَّيِّدَ قَدْ مَلَكَ قِيمَةَ الْعَبْدِ وَهُوَ عَبْدٌ فَلاَ يَنْقُصُ مَا وَجَبَ لَهُ بِالْعِتْقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ وَأُعْتِقَ ثُمَّ مَاتَ فَلاَ قَوْدَ إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا حُرًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا حُرًّا وَعَلَى الْحُرِّ الدِّيَةُ كَامِلَةً فِي مَالِهِ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَطَعَهُ وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ ثَانٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ رِجْلَهُ وَثَالِثٌ بَعْدَهُمَا يَدَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ حُرٍّ وَفِيمَا لِلسَّيِّدِ مِنْ الدِّيَةِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلاَ يَجْعَلُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ لاَ يَبْلُغُ إلَّا بَعِيرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جِنَايَةٌ غَيْرَهَا وَلاَ يُجَاوِزُ بِهِ ثُلُثَ دِيَةِ حُرٍّ، وَلَوْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ مِائَةَ بَعِيرٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَنْقُصُ بِالْمَوْتِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ ثُلُثِ دِيَتِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةٍ ثَالِثَةٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَدْ قَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ مَا الْحُكُومَةُ فِيهِ بَعِيرٌ وَلَزِمَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَمَنْ شَرِكَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَأْخُذْ السَّيِّدُ إلَّا الْبَعِيرَ الَّذِي وَجَبَ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَهَذَا أَقْيَسُ بِقَوْلِهِ وَأَوْلَى عِنْدِي بِأَصْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُزِدْهُ عَلَى بَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدُهُ فَفِي الْقِيَاسِ أَنْ لاَ يَنْقُصَهُ، وَإِنْ جَاوَزَ عَقْلَ حُرٍّ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَعَلَى الْمُتَغَلِّبِ بِاللُّصُوصِيَّةِ وَالْمَأْمُورِ الْقَوْدُ إذَا كَانَ قَاهِرًا لِلْمَأْمُورِ وَعَلَى السَّيِّدِ الْقَوْدُ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ صَبِيًّا أَوْ أَعْجَمِيًّا لاَ يَعْقِلُ بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَعْقِلُ فَعَلَى الْعَبْدِ الْقَوْدُ، وَلَوْ كَانَا لِغَيْرِهِ فَكَانَا يُمَيِّزَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِمَا فَهُمَا قَاتِلاَنِ، وَإِنْ كَانَا لاَ يُمَيِّزَانِ فَالْآمِرُ الْقَاتِلُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ رَجَعَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَهُوَ أَوْلاَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ. وَالثَّانِي: أَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقَرُّ عَلَى دِينِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ أَبَانَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلاَهُمَا فَالْأَوْلَى أَحَقُّ بِالصَّوَابِ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ فِي رَفْعِ الْقَوَدِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ نَصْرَانِيًّا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ لَكَانَ الْقَوَدُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَسْلَمَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَإِذَا كَانَ النَّصْرَانِيُّ الَّذِي يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ الْحَرَامُ الدَّمِ إذَا أَسْلَمَ يُقْتَلُ بِالنَّصْرَانِيِّ فَالْمُبَاحُ الدَّمُ بِالرِّدَّةِ أَحَقُّ أَنْ يُقَادَ بِالنَّصْرَانِيِّ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَيُقْتَلُ الذَّابِحُ دُونَ الْمُمْسِكِ كَمَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَ الْمُمْسِكِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِمَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْطَعُ عُضْوًا أَوْ يُوضِحُ رَأْسًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ عَمَدَ عَيْنَهُ بِأُصْبُعِهِ فَفَقَأَهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ يَأْتِي مِنْهَا عَلَى مَا يَأْتِي بِهِ السِّلاَحُ مِنْ النَّفْسِ، وَإِنْ لَمْ تَنْفَقِئْ وَاعْتَلَّتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا أَوْ اُنْتُجِفَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ إلَّا السَّكْرَانَ فَإِنَّهُ كَالصَّحِيحِ. وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَأُنْثَيَيْهِ وَشَفْرَيْهِ عَمْدًا قِيلَ: إنْ شِئْت وَقَفْنَاك فَإِنْ بِنْت ذَكَرًا أَقَدْنَاك فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلْنَا لَك حُكُومَةً فِي الشَّفْرَيْنِ، وَإِنْ بِنْت أُنْثَى فَلاَ قَوَدَ لَك وَجَعَلْنَا لَك دِيَةَ امْرَأَةٍ فِي الشَّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله بَقِيَّةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَعْنَاهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ أَنْ تَقِفَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُك وَعَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ وَبَرَأَتْ فَلَكَ دِيَةُ شَفْرَيْ امْرَأَةٍ وَحُكُومَةٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ، وَإِنْ قُلْت: لاَ أَعْفُو وَلاَ أَقِفُ قِيلَ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَصَّ مِمَّا لاَ يُدْرَى أَيُّ الْقِصَاصِ لَك فَلاَ بُدَّ لَك مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْنَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} قَالَ: وَإِذَا خَلَّى الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ وَقَتْلَ الْقَاتِلِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَنْظُرَ إلَى سَيْفِهِ فَإِنْ كَانَ صَارِمًا وَإِلَّا أَمَرَهُ بِصَارِمٍ؛ لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ ثُمَّ يَدَعُهُ وَضَرْبَ عُنُقِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمَا لاَ يُخْطِئُ بِمِثْلِهِ مِنْ قَطْعِ رِجْلٍ أَوْ وَسَطٍ عُزِّرَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ كَتِفِهِ فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ وَأَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُحْسِنُ ضَرْبَ الْعُنُقِ لِيُوجِئَهُ. قَالَ: وَلَوْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فَتَنَحَّى بِهِ فَعَفَاهُ الْوَلِيُّ فَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَهُ عَفَا وَلاَ عَلَى الْعَافِي، وَالثَّانِي أَنْ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ قَوَدٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلاَ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَهَذَا أَشْبَهُهُمَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَالْأَشْبَهُ أَوْلَى بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ تُقْتَلُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ تُرِكَتْ بِطِيبِ نَفْسِ الْوَلِيِّ حَتَّى يُوجَدَ لَهُ مُرْضِعٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَتْ. قَالَ الْمُزَنِيّ إذَا لَمْ يُوجَدْ لِلْمَوْلُودِ مَا يَحْيَا بِهِ لَمْ يَحِلَّ عِنْدِي قَتْلُهُ بِقَتْلِ أُمِّهِ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَحْيَا بِهِ فَتُقْتَلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَاقْتَصَّ مِنْهَا حَامِلاً فَعَلَيْهِ الْمَأْثَمُ فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا ضَمِنَهُ الْإِمَامُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دُونَ الْمُقْتَصِّ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله بَلْ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَّ لِنَفْسِهِ مُخْتَارًا فَجَنَى عَلَى مَنْ لاَ قِصَاصَ لَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ يَغْرَمُ مَا أَتْلَفَ أَوْلَى مِنْ إمَامٍ حَكَمَ لَهُ بِحَقِّهِ فَأَخَذَهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَتَلَ نَفَرًا قُتِلَ لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ الدِّيَاتُ لِمَنْ بَقِيَ فِي مَالِهِ فَإِنْ خَفِيَ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ قُتِلَ أَوَّلاً قُتِلَ بِهِ وَأُعْطِيَ الْبَاقُونَ الدِّيَاتِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ قُطِعَتْ يَدُهُ بِالْيَدِ وَقُتِلَ بِالنَّفْسِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: فَإِنْ مَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ اُقْتُصَّ مِنْ الْيَدِ فَقِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي أَنَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاطِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ قَدْ اسْتَوْفَى قَبْلَ مَوْتِهِ مَا فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِاقْتِصَاصِهِ بِهِ قَاطِعَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا وَمَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ أَوْ كَانَ حُرٌّ وَعَبْدٌ قَتَلاَ عَبْدًا، أَوْ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ قَتَلاَ نَصْرَانِيًّا، أَوْ قَتَلَ ابْنَهُ وَمَعَهُ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْقِصَاصُ الْقِصَاصُ وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَعُقُوبَةٌ إنْ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ بِالْقَاتِلَيْنِ عَمْدًا يَعْفُو الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا أَنَّ لَهُ قَتْلَ الْآخَرِ، فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَوَدُ فَزَالَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِزَالَةِ الْوَلِيِّ، قِيلَ: فَإِذَا أَزَالَهُ الْوَلِيُّ عَنْهُ أَزَالَهُ عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ قَالَ: لاَ، قِيلَ: فِعْلُهُمَا وَاحِدٌ فَقَدْ حَكَمْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ نَفْسِهِ لاَ بِحُكْمِ غَيْرِهِ. قَالَ فَإِنْ شَرِكَهُ قَاتِلُ خَطَأٍ فَعَلَى الْعَامِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ وَجِنَايَةُ الْمُخْطِئِ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَاحْتُجَّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَنْعِ الْقَوَدِ مِنْ الْعَامِدِ إذَا شَارَكَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَقَالَ: إنْ كُنْت رَفَعْت عَنْهُ الْقَوَدَ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُمَا مَرْفُوعٌ وَأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا فَهَلَّا أَقَدْت مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَتَلَ عَمْدًا مَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْ الْأَبِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَهَذَا تَرْكُ أَصْلِك. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ شَرِكَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِيمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْقِصَاصِ عَنْ الْخَاطِئِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ شَارَكَهُمْ بِالْعَمْدِ وَاحِدٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ الْقَاتِلَ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ قِصَاصَ بِحَالٍ لِلشُّبْهَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} يَحْتَمِلُ أَيَّ وَلِيٍّ قَتَلَ كَانَ أَحَقَّ بِالْقَتْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُنْزِلُونَهُ مَنْزِلَةَ الْحَدِّ لَهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ إنْ عَفَوْا إلَّا وَاحِدًا كَانَ لَهُ أَنْ يَحُدَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ يَجْهَلُ عُزِّرَ وَقِيلَ لِلْوُلاَةِ مَعَهُ: لَكُمْ حِصَصُكُمْ، وَالْقَوْلُ مِنْ أَيْنَ يَأْخُذُونَهَا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَهُمْ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ يَرْجِعُ بِهَا وَرَثَةُ الْقَاتِلِ فِي مَالِ قَاتِلِهِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا- قَالَ: فَإِنْ عَفَوْا عَنْ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ رَجَعَ وَرَثَةُ قَاتِلِ الْمَقْتُولِ عَلَى قَاتِلِ صَاحِبِهِمْ بِحِصَّةِ الْوَرَثَةِ مَعَهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي حِصَصِهِمْ أَنَّهَا لَهُمْ فِي مَالِ أَخِيهِمْ الْقَاتِلِ قَاتِلَ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا كَانَتْ تَلْزَمُهُ لَوْ كَانَ لَمْ يَقْتُلْهُ وَلِيٌّ، فَإِذَا قَتَلَهُ وَلِيٌّ فَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالْغُرْمُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ قَاتِلَ أَبِيهِ الْقِصَاصَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى الْقَتْلِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَأَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ مَاتَ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَلَيْسَ تَعَدِّي أَخِيهِ بِمُبْطِلٍ حَقَّهُ وَلاَ بِمُزِيلِهِ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلاَ قَوَدَ لِلشُّبْهَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ فَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى قَطَعَهَا آخَرُ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ يُقْطَعُ قَاطِعُ الْكَفِّ مِنْ الْكُوعِ وَيَدُ الْآخَرِ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ يَقْتُلاَنِ؛ لِأَنَّ أَلَمَ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ وَاصِلٌ إلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَشَاحَّ الْوُلاَةُ قِيلَ لَهُمْ: لاَ يَقْتُلُهُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْكُمْ فَإِنْ سَلَّمْتُمْ لِوَاحِدٍ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ جَازَ وَقَتَلَهُ وَإِنْ تَشَاحَحْتُمْ أَقْرَعْنَا بَيْنَكُمْ فَأَيُّكُمْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ خَلَّيْنَاهُ وَقَتْلَهُ، وَيَضْرِبُ بِأَصْرَمِ سَيْفٍ وَأَشَدِّ ضَرْبٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَإِنْ طَرَحَهُ فِي نَارٍ حَتَّى يَمُوتَ طُرِحَ فِي النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ أُعْطِيَ وَلِيُّهُ حَجَرًا مِثْلَهُ فَقَتَلَهُ بِهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ لَمْ يَمُتْ مِنْ عَدَدِ الضَّرْبِ قُتِلَ بِالسَّيْفِ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمَحْبُوسِ بِلاَ طَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ حَتَّى مَاتَ: إنَّهُ يُحْبَسُ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَكَذَا قَالَ: لَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ وَكَذَلِكَ يُلْقِيهِ فِي مَهْوَاةٍ فِي الْبُعْدِ أَوْ مِثْلِ سُدَّةِ الْأَرْضِ وَكَذَا عَدَدُ الضَّرْبِ بِالصَّخْرَةِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَالْقِيَاسُ عَلَى مَا مَضَى فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنْ يَمْنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا قَالَ فِي النَّارِ وَالْحَجَرِ وَالْخَنْقِ بِالْحَبْلِ حَتَّى يَمُوتَ إذَا كَانَ مَا صَنَعَ بِهِ مِنْ الْمُتْلِفِ الْحَيَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ فَعَلَ بِهِ الْوَلِيُّ مَا فَعَلَ بِصَاحِبِهِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَلَوْ كَانَ أَجَافَهُ أَوْ قَطَعَ ذِرَاعَهُ فَمَاتَ كَانَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، فَأَمَّا عَلَى أَنْ لاَ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُتْرَكُ وَإِيَّاهُ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالْآخَرُ: لاَ نَقُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ بِحَالٍ لَعَلَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ أَنْ يَدَعَ قَتْلَهُ فَيَكُونَ قَدْ عَذَّبَهُ بِمَا لَيْسَ فِي مِثْلِهِ قِصَاصٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ أَبَى أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ كَمَا وَالَى عَلَيْهِ بِالنَّارِ. وَالْحَجَرِ وَالْخَنْقِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْحَبْلِ حَتَّى يَمُوتَ فَفَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى مَعْنَاهُ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ بِالْجَوَائِفِ إذَا وَالَى بِهَا عَلَيْهِ، حَتَّى يَمُوتَ كَمَا يُوَالِي عَلَيْهِ بِالْحَجَرِ وَالنَّارِ وَالْخَنْقِ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ الْمُزَنِيّ أَوْلاَهُمَا بِالْحَقِّ عِنْدِي فِيمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِرَاحٍ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِيهِ الْقِصَاصُ لَوْ بَرِئَ أَقَصَصْته مِنْهُ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا قَتَلْته بِالسَّيْفِ وَمَا لاَ قِصَاصَ فِي مِثْلِهِ لَمْ أَقُصّهُ مِنْهُ، وَقَتَلْته بِالسَّيْفِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي الْجَائِفَةِ وَقَطْعِ الذِّرَاعِ أَنَّهُ لاَ يُقِصُّهُ مِنْهُمَا بِحَالٍ وَيَقْتُلُهُ بِالسَّيْفِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَالْقِصَاصُ دُونَ النَّفْسِ شَيْئَانِ جُرْحٌ يُشَقُّ وَطَرَفٌ يُقْطَعُ فَإِذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً فَبَرِئَ حُلِقَ مَوْضِعُهَا مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ ثُمَّ شُقَّ بِحَدِيدَةٍ قَدْرُ عَرْضِهَا وَطُولِهَا فَإِنْ أُخِذَتْ رَأْسُ الشَّاجِّ كُلِّهِ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ أُخِذَ مِنْهُ أَرْشُهُ، وَكَذَا كُلُّ جُرْحٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَلَمْ يُوضِحْهُ أُقِصَّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا شُقَّ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ أَشْكَلَ لَمْ أُقِدْ إلَّا مِمَّا اسْتُيْقِنَ وَتُقْطَعُ الْيَدُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ مِنْ الْمَفَاصِلِ، وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ كَانَ الْقَاطِعُ أَفْضَلَ طَرَفًا أَوْ أَدْنَى مَا لَمْ يَكُنْ نَقْصٌ أَوْ شَلَلٌ، فَإِنْ كَانَ قَاطِعُ الْيَدِ نَاقِصًا أُصْبُعًا قُطِعَتْ يَدُهُ وَأُخِذَ مِنْهُ أَرْشُ أُصْبُعٍ وَإِنْ كَانَتْ شَلَّاءَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ اُقْتُصَّ بِأَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةَ الْيَدِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أَشَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَوَدُ فَيَأْخُذَ أَكْثَرَ وَلَهُ حُكُومَةُ يَدٍ شَلَّاءَ، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَآكَلَتْ فَذَهَبَتْ كَفُّهُ أُقِيدَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَأَخَذَ أَرْشَ يَدِهِ إلَّا أُصْبُعًا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ أَنْ يراقى إلَى مِثْلِ جِنَايَتِهِ أَوْ لاَ. قَالَ وَلَوْ سَأَلَ الْقَوَدَ سَاعَةَ قُطِعَ أُصْبُعُهُ أَقَدْته فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جَعَلْت عَلَى الْجَانِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دِيَتِهَا، وَلَوْ كَانَ مَاتَ مِنْهَا قَتَلْته بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ ضَامِنٌ لِمَا حَدَثَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَالْمُسْتَقَادَ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَهُ مَا حَدَثَ مِنْ الْقَوَدِ بِسَبَبِ الْحَقِّ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ رحمه الله يَقُولُ: لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ وَشَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ ثُمَّ بَرِئَ أُقِصَّ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ عَيْنَاهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ زِدْنَا عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَفِي الشَّعْرِ حُكُومَةٌ وَلاَ أُبْلِغُ بِشَعْرِ رَأْسِهِ وَلاَ بِشَعْرِ لِحْيَتِهِ دِيَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ عِنْدِي قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ: إذَا قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ عَنْهَا أَنَّهُ يُقْطَعُ فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، فَكَذَلِكَ إذَا شَجَّهُ مُقْتَصًّا فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ وَشَعْرُهُ فَقَدْ أَخَذَ حَقَّهُ، غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ: إنْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ الشَّعْرِ مَا خَلاَ مَوْضِعَ الْمُوضِحَةِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُوضِحَةِ فَلاَ نُغَرِّمُهُ مَرَّتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَصَابَتْهُ مِنْ جُرْحِ يَدِهِ أَكَلَةٌ فَقُطِعَتْ الْكَفُّ لِئَلَّا تَمْشِيَ الْأَكَلَةُ فِي جَسَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْجَانِي مِنْ قَطْعِ الْكَفِّ شَيْئًا فَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي وَيَسْقُطُ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمَقْطُوعِ أُصْبُعَانِ شُلَّا وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ يَدُ الْجَانِي وَلَوْ رَضِيَ، فَإِنْ سَأَلَ الْمَقْطُوعُ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ أُصْبُعُ الْقَاطِعِ الثَّالِثُ وَيُؤْخَذَ لَهُ أَرْشُ الْأُصْبُعَيْنِ وَالْحُكُومَةُ فِي الْكَفِّ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلاَ أُبْلِغُ بِحُكُومَةِ كَفِّهِ دِيَةَ أُصْبُعٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَكُلُّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَلاَ يَكُونُ أَرْشُهَا كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ مَقْطُوعَ الْأُصْبُعَيْنِ قَطَعْت لَهُ كَفَّهُ وَأَخَذْت لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَرْشَ أُصْبُعَيْنِ تَامَّتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَاطِعِ سِتُّ أَصَابِعَ لَمْ تُقْطَعْ لِزِيَادَةِ الْأُصْبُعِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ هُوَ الْقَاطِعُ كَانَ لِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ يَدِهِ وَحُكُومَةُ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَلاَ أُبْلِغُ بِهَا أَرْشَ أُصْبُعٍ، وَلَوْ قَطَعَ لَهُ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفَانِ فَلَهُ الْقَوَدُ مِنْ أُصْبُعِهِ وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا أُقِيدَ بِهَا وَلاَ حُكُومَةَ، فَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ طَرَفَانِ وَلِلْمَقْطُوعِ وَاحِدٌ فَلاَ قَوَدَ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ. قَالَ وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ طَرَفٍ وَمِنْ آخَرَ الْوُسْطَى مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدٍ فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُ قَبْلُ اُقْتُصَّ لَهُ ثُمَّ الْوُسْطَى، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ الْوُسْطَى قِيلَ: لاَ قِصَاصَ لَك إلَّا بَعْدَ الطَّرَفِ وَلَك الدِّيَةُ. قَالَ وَلاَ أُقِيدَ بِيُمْنَى يُسْرَى وَلاَ بِيُسْرَى يُمْنَى. قَالَ وَلَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ إنَّ الْمَقْطُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْصَقَهُ بِدَمِهِ وَسَأَلَ الْقَوَدَ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِإِبَانَتِهِ وَكَذَلِكَ الْجَانِي لاَ يُقْطَعُ ثَانِيَةً إذَا أُقِيدَ مِنْهُ مَرَّةً إلَّا بِأَنْ يَقْطَعَ لِأَنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ وَيُقَادُ بِذَكَرِ رَجُلٍ شَيْخٍ وَخَصِيٍّ وَصَبِيٍّ وَاَلَّذِي لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ كَانَ الذَّكَرُ يَنْتَشِرُ أَوْ لاَ يَنْتَشِرُ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَلَلٌ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَنْقَبِضَ أَوْ يَنْبَسِطَ وَبِأُنْثَيَيْ الْخَصِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ طَرَفٌ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُقَادَ مِنْ إحْدَى أُنْثَيَيْ رَجُلٍ بِلاَ ذَهَابِ الْأُخْرَى أُقِيدَ مِنْهُ وَإِنْ قَطَعَهُمَا فَفِيهِمَا الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ تَامَّةً، فَإِنْ قَالَ الْجَانِي جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُوءٌ، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ صَحِيحٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ وَلاَ يَجُوزُ كَشْفُهُ لَهُمْ. قَالَ وَيُقَادُ أَنْفُ الصَّحِيحِ بِأَنْفِ الْأَخْرَمِ مَا لَمْ يَسْقُطْ أَنْفُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ وَأُذُنُ الصَّحِيحِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ مَنْ قَدْ أَثْغَرَ قُلِعَ سِنُّهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعُ سِنُّهُ لَمْ يُثْغِرْ فَلاَ قَوَدَ حَتَّى يُثْغِرَ فيتتام طَرْحُهُ أَسْنَانَهُ وَنَبَاتُهَا، فَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ سِنُّهُ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ: لاَ يَنْبُتُ؛ أَقَدْنَاهُ وَلَوْ قَلَعَ لَهُ سِنًّا زَائِدَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَالِعِ مِثْلُهَا فَيُقَادُ مِنْهُ وَمَنْ اقْتَصَّ حَقَّهُ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ عُزِّرَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ: أَخْرِجْ يَمِينَك فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا، وَقَالَ: عَمَدْت وَأَنَا عَالِمٌ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قِصَاصَ فَإِذَا بَرِئَ اقْتَصَّ مِنْ يَمِينِهِ وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ أَوْ رَأَيْت أَنَّ الْقِصَاصَ بِهَا يَسْقُطُ عَنْ يَمِينِي لَزِمَ الْمُقْتَصَّ دِيَةُ الْيَدِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي سَرِقَةٍ لَمْ يَقْطَعْ يَمِينَهُ وَلاَ يُشْبِهُ الْحَدُّ حُقُوقَ الْعِبَادِ، وَلَوْ قَالَ الْجَانِي: مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَقَالَ الْوَلِيُّ: مَاتَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ. قَالَ وَيُحْضِرُ الْإِمَامُ الْقِصَاصَ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ حَتَّى لاَ يُقَادَ إلَّا بِحَدِيدَةٍ حَادَّةٍ مُسْقَاةٍ وَيَتَفَقَّدُ حَدِيدَهُ لِئَلَّا يُسَمَّ فَيَقْتُلَ فَيَقْطَعَ مِنْ حَيْثُ قُطِعَ بِأَيْسَرِ مَا يَكُونُ بِهِ الْقَطْعُ وَيُرْزَقُ مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَأْخُذُ الْقِصَاصَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْخُمُسِ كَمَا يُرْزَقُ الْحُكَّامُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ الْأَجْرُ كَمَا عَلَيْهِ أَجْرُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِيمَا يَلْزَمُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَمْدًا: قَدْ عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِهِ مِنْ قَوَدٍ وَعَقْلٍ ثُمَّ صَحَّ جَازَ فِيمَا لَزِمَهُ بِالْجِنَايَةِ، وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ حِينَ عَفَا، وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهَا وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا مِنْ عَقْلٍ وَقَوَدٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا فَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ لِلْعَفْوِ وَنُظِرَ إلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَكَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَائِزٌ الْعَفْوُ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْعَافِي كَأَنَّهَا مُوضِحَةٌ فَهِيَ نِصْفُ الْعَشْرِ وَيُؤْخَذُ بِبَاقِي الدِّيَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُؤْخَذَ بِجَمِيعِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا وَهَذَا قَاتِلٌ لاَ يَجُوزُ لَهُ وَصِيَّةٌ بِحَالٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ فَلَمَّا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ جَمِيعُهَا وَلِأَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّهُ لَوْ عَفَا وَالْقَاتِلُ عَبْدٌ جَازَ الْعَفْوُ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ. قَالَ وَإِنَّمَا أَجَزْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مَعَ أَهْلِ الْوَصَايَا وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ: لَوْ عَفَا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ جَازَ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ خَطَأً ذِمِّيًّا لاَ يَجْرِي عَلَى عَاقِلَتِهِ الْحُكْمُ أَوْ مُسْلِمًا أَقَرَّ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا وَالْعَفْوُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُمَا عَاقِلَةٌ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَنْ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ عَفَوْت عَنْهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ قَدْ عَفَوْت ذَلِكَ عَنْ عَاقِلَتِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ أَثْبَتَ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ وَأَنَّهَا بَاطِلَةٌ لِقَاتِلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ فَابْتَاعَهُ بِأَرْشِ الْجُرْحِ فَهُوَ عَفْوٌ وَلَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَا أَرْشَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَعْلُومَةً فَإِنْ أَصَابَ بِهِ عَيْبًا رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ فِي عُنُقِهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {أَلاَ إنَّ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْخَطَأِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَهَذَا خَطَأٌ فِي الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِي الضَّرْبِ وَاحْتَجَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالاَ: فِي تَغْلِيظِ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَثَلاَثُونَ حِقَّةً وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَالْخَلِفَةُ الْحَامِلُ وَقَلَّ مَا تَحْمِلُ الثَّنِيَّةُ فَصَاعِدًا فَأَيَّةُ نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْعَاقِلَةِ حَمَلَتْ فَهِيَ خَلِفَةٌ تُجْزِئُ فِي الدِّيَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعِيبَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ خَفِيفٍ أَوْ بِحَجَرٍ لاَ يَشْدَخُ أَوْ بِحَدِّ سَيْفٍ لَمْ يَجْرَحْ أَوْ أَلْقَاهُ فِي بَحْرٍ قُرْبَ الْبَرِّ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ مَاءٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ مِنْ مِثْلِهِ فَمَاتَ فَلاَ قَوَدَ وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحُ وَكَذَلِكَ التَّغْلِيظُ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَذِي الرَّحِمِ، وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ابْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى فِي دِيَةِ امْرَأَةٍ وُطِئَتْ بِمَكَّةَ بِدِيَةٍ وَثُلُثٍ. قَالَ وَهَكَذَا أَسْنَانُ دِيَةِ الْعَمْدِ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ إذَا زَالَ عَنْهُ الْقِصَاصُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: إذَا كَانَتْ الْمُغَلَّظَةُ أَعْلَى سِنًّا مِنْ سَنِّ الْخَطَأِ لِلتَّغْلِيظِ فَالْعَامِدُ أَحَقُّ بِالتَّغْلِيظِ إذَا صَارَتْ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} فَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ عِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَلاَ يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ غَيْرَ إبِلِهِ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ دُونَهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِبَلَدِهِ إبِلٌ كُلِّفَ إلَى أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلُ الْعَاقِلَةِ مُخْتَلِفَةً أَدَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ إبِلِهِ فَإِنْ كَانَتْ عِجَافًا أَوْ جُرْبًا قِيلَ: إنْ أَدَّيْت صِحَاحًا جُبِرَ عَلَى قَبُولِهَا، فَإِنْ أَعْوَزَتْ الْإِبِلُ فَقِيمَتُهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ كَمَا قَوَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَوِّمْهَا إلَّا قِيمَةَ يَوْمِهَا فَإِذَا قَوَّمَهَا كَذَلِكَ فَاتِّبَاعُهُ أَنْ تُقَوَّمَ مَتَى وَجَبَتْ. وَلَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَكُونَ قَوَّمَهَا إلَّا فِي حِينٍ وَبَلَدٌ أَعْوَزَتْ فِيهِ أَوْ يَتَرَاضَى الْجَانِي وَالْوَلِيُّ فَيَدُلُّ عَلَى تَقْوِيمِهِ لِلْإِعْوَازِ قَوْلُهُ: لاَ يُكَلَّفُ أَعْرَابِيٌّ الذَّهَبَ وَلاَ الْوَرِقَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ الْإِبِلَ وَأَخْذُهُ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَوِيِّ لِإِعْوَازِ الْإِبِلِ فِيمَا أَرَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَوَّمَ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَعَلْنَا عَلَى أَهْلِ الْخَيْلِ الْخَيْلَ وَعَلَى أَهْلِ الطَّعَامِ الطَّعَامَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَوْلُهُ الْقَدِيمُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَرُجُوعُهُ عَنْ الْقَدِيمِ رَغْبَةٌ عَنْهُ إلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ بِالسُّنَّةِ أَشْبَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تُبْرِزُ الْعَظْمَ حَتَّى يُقْرَعَ بِالْمِرْوَدِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَسْمَاءِ صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ شَانَتْ أَوْ لَمْ تَشِنْ وَلَوْ كَانَ وَسَطُهَا مَا لَمْ يَنْخَرِقْ فَهِيَ مُوضِحَتَانِ، فَإِنْ قَالَ: شَقَقْتهَا مِنْ رَأْسِي وَقَالَ الْجَانِي: بَلْ تَآكَلَتْ مِنْ جِنَايَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا وَجَبَتَا لَهُ فَلاَ يُبْطِلُهُمَا إلَّا إقْرَارُهُ أَوْ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ وَتُهَشِّمُ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى يَتَشَظَّى فَيُنْقَلُ مِنْ عِظَامِهِ لِيَلْتَئِمَ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَاللَّحْيِ الْأَسْفَلِ وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ النَّفْسِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ إلَى جِلْدِ الدِّمَاغِ وَلَمْ أَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ فَفِيمَا دُونَهَا حُكُومَةٌ لاَ يُبْلَغُ بِهَا قَدْرُ مُوضِحَةٍ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ وَفِي كُلِّ جُرْحٍ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ حُكُومَةٌ إلَّا الْجَائِفَةَ فَفِيهَا ثُلُثُ النَّفْسِ وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ إلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ ظَهْرِ صَدْرٍ أَوْ ثُغْرَةِ نَحْرٍ فَهِيَ جَائِفَةٌ وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ وَيُتَغَفَّلُ، وَيُصَاحُ بِهِ فَإِنْ أَجَابَ عُرِفَ أَنَّهُ يَسْمَعُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ عِنْدَ غفلانه وَلَمْ يَفْزَعْ إذَا صِيحَ بِهِ حَلَفَ لَقَدْ ذَهَبَ سَمْعُهُ وَأَخَذَ الدِّيَةَ وَفِي ذَهَابِ الْعَقْلِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي ذَهَابِ بَصَرِهِمَا الدِّيَةُ فَإِنْ نَقَصَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى اخْتَبَرْته بِأَنْ أَعْصَبَ عَيْنَهُ الْعَلِيلَةَ وَأُطْلَقَ الصَّحِيحَةَ وَأَنْصِبَ لَهُ شَخْصًا عَلَى رَبْوَةٍ أَوْ مُسْتَوًى فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهَا ثُمَّ أَذْرَعَ بَيْنَهُمَا وَأُعْطِيَهُ عَلَى قَدْرِ مَا نَقَصَتْ عَنْ الصَّحِيحَةِ، وَلَوْ قَالَ: جَنَيْت عَلَيْهِ وَهُوَ ذَاهِبُ الْبَصَرِ فَعَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ يُبْصِرُ وَيَسَعُهَا أَنْ تَشْهَدَ إذَا رَأَتْهُ يُتْبِعُ الشَّخْصَ بَصَرَهُ وَيَطْرِفُ عَنْهُ وَيَتَوَقَّاهُ وَكَذَلِكَ الْمَعْرِفَةُ بِانْبِسَاطِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ وَانْقِبَاضِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ وَالصَّبِيُّ وَمَتَى عُلِمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ غَيْرُهَا. قَالَ وَفِي الْجُفُونِ إذَا اُسْتُؤْصِلَتْ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رُبُعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ خِلْقَتِهِ وَمَا يَأْلَمُ بِقَطْعِهِ وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ مَارِنُهُ جَدْعًا الدِّيَةُ وَفِي ذَهَابِ الشَّمِّ الدِّيَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ إذَا اُسْتُوْعِبَتَا وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَإِنْ خَرِسَ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ كَلاَمِهِ اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِحُرُوفِ الْمُعْجَمِ ثُمَّ كَانَ مَا ذَهَبَ مِنْ عَدَدِ الْحُرُوفِ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ فَذَهَبَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ الْكَلاَمِ فَرُبُعُ الدِّيَةِ وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُ الْكَلاَمِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي لِسَانِ الصَّبِيِّ إذَا حَرَّكَهُ بِبُكَاءٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُغَيِّرُ اللِّسَانَ الدِّيَةُ وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَكُنْ أَبْكَمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ نَاطِقٌ فَهُوَ نَاطِقٌ حَتَّى يُعْلَمَ خِلاَفُ ذَلِكَ. قَالَ وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ قَدْ أَثْغَرَ فَإِنْ لَمْ يُثْغِرْ اُنْتُظِرَ بِهِ فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ تَمَّ عَقْلُهَا وَإِنْ نَبَتَتْ فَلاَ عَقْلَ لَهَا وَالضِّرْسُ سِنٌّ وَإِنْ سُمِّيَ ضِرْسًا كَمَا أَنَّ الثَّنِيَّةَ سِنٌّ وَإِنْ سُمِّيَتْ ثَنِيَّةً وَكَمَا أَنَّ اسْمَ الْإِبْهَامِ غَيْرُ اسْمِ الْخِنْصَرِ وَكِلاَهُمَا أُصْبُعٌ وَعَقْلُ كُلِّ أُصْبُعٍ سَوَاءٌ، فَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّ رَجُلٍ قُلِعَتْ بَعْدَ أَخْذِهِ أَرْشَهَا، قَالَ فِي مَوْضِعٍ: يَرُدُّ مَا أَخَذَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لاَ يَرُدُّ شَيْئًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: هَذَا أَقْيَسُ فِي مَعْنَاهُ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرْ بِسِنِّ الرَّجُلِ كَمَا انْتَظَرَ بِسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ هَلْ تَنْبُتُ أَمْ لاَ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ عَقْلَهَا أَوْ الْقَوَدَ مِنْهَا قَدْ تَمَّ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لاَنْتَظَرَ كَمَا انْتَظَرَ بِسِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَقِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ فَأَخَذَ أَرْشَهُ ثُمَّ نَبَتَ صَحِيحًا لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا، وَلَوْ قَطَعَهُ آخَرُ فَفِيهِ الْأَرْشُ تَامًّا وَمِنْ أَصْلِ قَوْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْأَسْمَاءِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَكَذَلِكَ السِّنُّ فِي الْقِيَاسِ نَبَتَتْ أَوْ لَمْ تَنْبُتْ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الصَّغِيرِ إذَا نَبَتَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَقْلٌ أَصْلاً فَيُتْرَكُ لَهُ الْقِيَاسُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَالْأَسْنَانُ الْعُلْيَا فِي عَظْمِ الرَّأْسِ وَالسُّفْلَى فِي اللَّحْيَيْنِ مُلْتَصِقَتَيْنِ فَفِي اللَّحْيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ سِنٍّ مِنْ أَسْنَانِهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَوْ ضَرَبَهَا فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ. وَقَالَ فِي كِتَابِ عُقُولِهَا تَمَّ عَقْلُهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: الْحُكُومَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا بِالْقَطْعِ وَالْمَضْغِ وَرَدِّ الرِّيقِ وَسَدِّ مَوْضِعِهَا قَائِمَةً كَمَا لَوْ اسْوَدَّ بَيَاضُ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا بِالنَّظَرِ قَائِمَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ عَقْلِ أُصْبُعٍ إلَّا أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَإِنَّهَا مَفْصِلاَنِ فَفِي أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُ عَقْلِ الْأُصْبُعِ وَأَيُّهَا شُلَّ تَمَّ عَقْلُهَا، وَإِنْ قُطِعَتْ مِنْ الذِّرَاعِ فَفِي الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِيمَا زَادَ حُكُومَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى الْقَدَمِ حُكُومَةٌ وَفِي قَدَمِ الْأَعْرَجِ وَيَدِ الْأَعْسَمِ إذَا كَانَتَا سَالِمَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَلَوْ خُلِقَتْ لِرَجُلٍ كَفَّانِ فِي ذِرَاعٍ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَكَانَ يَبْطِشُ بِالسُّفْلَى وَلاَ يَبْطِشُ بِالْعُلْيَا فَالسُّفْلَى هِيَ الْكَفُّ الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ وَالْعُلْيَا زَائِدَةٌ وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَكَذَلِكَ قَدَمَانِ فِي سَاقٍ فَإِنْ اسْتَوَتَا فَهُمَا نَاقِصَتَانِ، فَإِنْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ لاَ تُجَاوِزُ نِصْفَ دِيَةِ قَدَمٍ وَإِنْ قُطِعَتَا مَعًا فَفِيهِمَا دِيَةُ قَدَمٍ وَيُجَاوَزُ بِهَا دِيَةُ قَدَمٍ، وَإِنْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ فَإِنْ عَمِلَتْ الْأُخْرَى لَمَّا انْفَرَدَتْ ثُمَّ عَادَ فَقَطَعَهَا وَهِيَ سَالِمَةٌ يَمْشِي عَلَيْهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ مَعَ حُكُومَةِ الْأُولَى. وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ وَهُمَا مَا أَشْرَفَ عَلَى الظَّهْرِ مِنْ الْمَأْكَمَتَيْنِ إلَى مَا أَشْرَفَ عَلَى اسْتِوَاءِ الْفَخِذَيْنِ وَسَوَاءٌ قُطِعَتَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَكُلُّ مَا قُلْت فِيهِمَا الدِّيَةُ فَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلاَ تُفَضَّلُ يُمْنَى عَلَى يُسْرَى وَلاَ عَيْنُ أَعْوَرَ عَلَى عَيْنِ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فِيهَا دِيَةٌ تَامَّةٌ وَإِنَّمَا {قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ}، وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ كَيَدِ الْأَقْطَعِ فَإِنْ كُسِرَ صُلْبُهُ فَلَمْ يُطِقْ الْمَشْيَ فَفِيهِ الدِّيَةُ. قَالَ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَفِي ثَدْيَيْهَا دِيَتُهَا وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا مَنْفَعَةَ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الرَّجُلِ فَفِيهِمَا مِنْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ وَفِي إسْكَتَيْهَا وَهُمَا شُفْرَاهَا إذَا أُوعِبَتَا دِيَتُهَا وَالرَّتْقَاءُ الَّتِي لاَ تُؤْتَى وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَلَوْ أَفْضَى ثَيِّبًا كَانَ عَلَيْهِ دِيَتُهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، وَفِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَذَكَرِ الْأَشَلِّ فَيَكُونُ مُنْبَسِطًا لاَ يَنْقَبِضُ أَوْ مُنْقَبِضًا لاَ يَنْبَسِطُ وَفِي الْأُذُنَيْنِ الْمُسْتَحْشِفَتَيْنِ بِهِمَا مِنْ الِاسْتِحْشَافِ مَا بِالْيَدِ مِنْ الشَّلَلِ وَذَلِكَ أَنْ تُحَرَّكَا فَلاَ تَتَحَرَّكَا أَوْ تُغْمَزَا بِمَا يُؤْلِمُ فَلاَ تَأَلَّمَا، وَكُلُّ جُرْحٍ لَيْسَ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ وَفِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ- فِي كُلِّ ذَلِكَ حُكُومَةٌ، وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَمْ يَسْوَى أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا غَيْرَ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَوَّمَ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ كَمْ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْعُشْرَ فَفِيهِ عُشْرُ الدِّيَةِ أَوْ الْخُمُسَ فَعَلَيْهِ خُمُسُ الدِّيَةِ وَمَا كُسِرَ مِنْ سِنٍّ أَوْ قُطِعَ مِنْ شَيْءٍ لَهُ أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَعَلَى حِسَابِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ. وَقَالَ فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَفِي الضِّلْعِ حَمَلٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُشْبِهُ مَا حُكِيَ عَنْ عُمَرَ فِيمَا وَصَفْت حُكُومَةٌ لاَ تَوْقِيتٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا يُؤَوَّلُ قَوْلُ زَيْدٍ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْحُكُومَةِ لاَ تَوْقِيتٌ، وَقَدْ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: فِي كُلِّ عَظْمٍ كُسِرَ سِوَى السِّنِّ حُكُومَةٌ فَإِذَا جُبِرَ مُسْتَقِيمًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ الْأَلَمِ وَالشَّيْنِ وَإِنْ جُبِرَ مَعِيبًا بِعَجْزٍ أَوْ عَرَجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ زِيدَ فِي حُكُومَتِهِ بِقَدْرِ شَيْنِهِ وَضُرِّهِ وَأَلَمِهِ لاَ يُبْلِغُ بِهِ دِيَةَ الْعَظْمِ لَوْ قُطِعَ. قَالَ وَلَوْ جَرَحَهُ فَشَانَ وَجْهَهُ أَوْ رَأْسَهُ شَيْئًا يَبْقَى فَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ الْجُرْحِ أَخَذَ بِالشَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ أَكْثَرَ مِنْ الشَّيْنِ أَخَذَ بِالْجُرْحِ وَلَمْ يَزِدْ لِلشَّيْنِ. قَالَ فَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ مُوضِحَةٍ نَقَصْت مِنْ الْمُوضِحَةِ شَيْئًا مَا كَانَ الشَّيْنُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةً مَعَهَا شَيْنٌ لَمْ أَزِدْ عَلَى مُوضِحَةٍ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْنُ مَعَهَا وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مُوضِحَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْلُغَ بِهِ مُوضِحَةً وَفِي الْجِرَاحِ عَلَى قَدْرِ دِيَاتِهِمْ وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَفِي الْجِرَاحِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ بِقَدْرِ الشَّيْنِ الْبَاقِي بَعْدَ الْتِئَامِهِ لاَ يَبْلُغُ بِهَا الدِّيَةَ إنْ كَانَ حُرًّا وَلاَ ثَمَنَهُ إنْ كَانَ عَبْدًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَسَدِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ سِوَى الْجَائِفَةِ. وَدِيَةُ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَاحْتُجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَاحْتُجَّ فِي ذَلِكَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَجِرَاحُهُمْ عَلَى قَدْرِ دِيَاتِهِمْ وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ وَجِرَاحُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَاحْتُجَّ فِي دِيَاتِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فَجَعَلَ الْكُفَّارَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ صِنْفًا مِنْهُمْ يَعْبُدُونَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَصِنْفًا يُصْنَعُ ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْ كَانَ خَوَلاً لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ أَوْ خَوَلاً بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كَالْعَبْدِ الْمُخَارَجِ فِي بَعْضِ حَالاَتِهِ كَفِيئًا لِمُسْلِمٍ فِي دَمٍ وَلاَ دِيَةٍ وَلاَ يَبْلُغُ بِدِيَةِ كَافِرٍ دِيَةَ مُؤْمِنٍ إلَّا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَبِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَقُولُ: جِرَاحُ الْعَبْدِ مِنْ ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَقِيمَتُهُ مَا كَانَتْ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما. قَالَ وَتَحْمِلُ ثَمَنَهُ الْعَاقِلَةُ إذَا قُتِلَ خَطَأً وَفِي ذَكَرِهِ ثَمَنُهُ وَلَوْ زَادَ الْقَطْعُ فِي ثَمَنِهِ أَضْعَافًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كُنْت تَزْعُمُ أَنَّ ثَمَنَهُ كَثَمَنِ الْبَعِيرِ إذَا قُتِلَ فَلِمَ لَمْ يُحْكَمْ فِي جُرْحِهِ كَجُرْحِ الْبَعِيرِ وَبَعْضِهِ؟ قُلْت: قَدْ يُجَامِعُ الْحُرُّ الْبَعِيرَ يُقْتَلُ فَيَكُونُ ثَمَنُهُ مِثْلَ دِيَةِ الْحُرِّ فَهُوَ فِي الْحُرِّ دِيَةٌ وَفِي الْبَعِيرِ قِيمَةٌ وَالْقِيمَةُ دِيَةُ الْعَبْدِ وَقِسْته بِالْحُرِّ دُونَ الْبَهِيمَةِ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَتْلِ النَّفْسِ الدِّيَةُ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَحَكَمْت وَحَكَمْنَا فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِدِيَاتٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَجَعَلْنَا فِي كُلِّ نَفْسٍ مِنْهُمْ دِيَةً وَرَقَبَةً وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي النَّفْسِ الرَّقَبَةَ حَيْثُ جَعَلَ الدِّيَةَ وَبَدَلُ الْبَعِيرِ وَالْمَتَاعِ قِيمَةٌ لاَ رَقَبَةَ مَعَهَا فَجَامَعَ الْعَبْدُ الْأَحْرَارَ فِي أَنَّ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَفِي أَنَّهُ إذَا قَتَلَ قُتِلَ وَإِذَا جَرَحَ جُرِحَ فِي قَوْلِنَا، وَفِي أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الْحُرِّ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَنِصْفَ حَدِّ الْحُرِّ فِي بَعْضِ الْحُدُودِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ مِنْ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالتَّعَبُّدِ وَكَانَ آدَمِيًّا كَالْأَحْرَارِ فَكَانَ بِالْآدَمِيِّينَ أَشْبَهَ فَقِسْته عَلَيْهِمْ دُونَ الْبَهَائِمِ وَالْمَتَاعِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ لاَ نُحَمِّلُهُ الْعَاقِلَةَ كَمَا لاَ تَغْرَمُ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْحُرِّ فِي أَنَّ جِرَاحَهُ مِنْ ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَكُلُّ جِنَايَةِ عَمْدٍ لاَ قِصَاصَ فِيهَا فَالْأَرْشُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَقِيلَ: جِنَايَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَخَطَأً يَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَقِيلَ: لاَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ فَلَوْ قَضَيْنَا بِهَا إلَى ثَلاَثِ سِنِينَ خَالَفْنَا دِيَةَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا حَالَّةٌ فَلَمْ يَقْضِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ عَمْدٍ بِحَالٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ صَاحَ بِرَجُلٍ فَسَقَطَ عَنْ حَائِطٍ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا فَسَقَطَ مِنْ صَيْحَتِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ طَلَبَ رَجُلاً بِسَيْفٍ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَنْ ظَهْرِ بَيْتٍ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى فَوَقَعَ فِي حُفْرَةٍ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الطَّالِبِ دِيَتَهُ؛ لِأَنَّهُ اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ فِي طَلَبِهِ سَبُعٌ فَأَكَلَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْجَانِيَ غَيْرُهُ. قَالَ وَيُقَالُ لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا جَنَتْ افْدِهَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ جِنَايَتِهَا ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا ثُمَّ جَنَتْ شَرِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ. قَالَ الْمُزَنِيّ فَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ قَدْ مَلَكَ الْأَرْشَ بِالْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تَجْنِي أَمَةُ غَيْرِهِ وَيَكُونُ بَعْضُ الْغُرْمِ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اصْطَدَمَ الرَّاكِبَانِ عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتَا فَمَاتَا مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ صَاحِبُهُ فَمَاتَ وَإِنْ مَاتَتْ الدَّابَّتَانِ فَفِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ مَعًا فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ مِنْ جِنَايَتِهِ وَيَغْرَمُ عَاقِلَةُ الْبَاقِينَ بَاقِيَ دِيَتِهِ. قَالَ وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَاقِفًا فَصَدَمَهُ الْآخَرُ فَمَاتَا فَالصَّادِمُ هَدَرٌ وَدِيَةُ صَاحِبِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ. قَالَ وَإِذَا اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ وَتَكَسَّرَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاتَ مَنْ فِيهِمَا فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ الْقَائِمُ بِهِمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ نِصْفَ كُلِّ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لاَ يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَصْرِيفِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يُطِيعُهُ فَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ فَلاَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَصْرِفُهَا أَنَّهَا غَلَبَتْهُ بِرِيحٍ أَوْ مَوْجٍ، وَإِذَا ضَمِنَ غَيْرَ النُّفُوسِ فِي مَالِهِ ضَمِنَتْ النُّفُوسَ عَاقِلَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ لاَ ضَمَانَ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ صَرْفُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صَدَمَتْ سَفِينَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْهَدَ بِهَا الصَّدْمُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِمَّا فِي سَفِينَتِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ دَخَلُوا غَيْرُ مُتَعَدًّى عَلَيْهِمْ وَلاَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ مَا يَخَافُونَ بِهِ التَّلَفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ فِيهَا فَأَلْقَى أَحَدُهُمْ بَعْضَ مَا فِيهَا رَجَاءَ أَنْ تَخِفَّ فَتَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ مَالَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا لَهُ: أَلْقِ مَتَاعَك فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَلْقِهِ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ أَنَا وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضَمِنَهُ دُونَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ وَقِيَاسُ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلاَ يَضْمَنُ أَصْحَابُهُ مَا أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ إيَّاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ خَرَقَ السَّفِينَةَ فَغَرِقَ أَهْلُهَا ضَمِنَ مَا فِيهَا وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءٌ مَنْ خَرَقَ ذَلِكَ مِنْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ} وَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ عَلِمْته فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهَا فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَلاَ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِمِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْرِفَةُ الْعَاقِلَةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ فَيُحَمِّلَهُمْ مَا يُحَمِّلُ الْعَاقِلَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا دَفَعْت إلَى بَنِي جَدِّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا دَفَعْت إلَى بَنِي جَدِّ أَبِيهِ ثُمَّ هَكَذَا لاَ يُدْفَعُ إلَى بَنِي أَبٍ حَتَّى يَعْجِزَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ وَمَنْ فِي الدِّيوَانِ وَمَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْهُمْ سَوَاءٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ دِيوَانَ فِي حَيَاتِهِ وَلاَ فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلاَ صَدْرٍ مِنْ وِلاَيَةِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلاَ أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ لاَ يَحْمِلاَنِ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدِي وَيُؤَدِّي الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ يَمُوتُ الْقَتِيلُ وَلاَ يُقَوَّمُ نَجْمٌ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ فَإِنْ أَعْسَرَ بِهِ أَوْ مَطَلَ حَتَّى يَجِدَ الْإِبِلَ بَطَلَتْ الْقِيمَةُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِبِلُ وَلاَ يَحْمِلُهَا فَقِيرٌ، وَإِنْ قَضَى بِهَا فَأَيْسَرَ الْفَقِيرُ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ نَجْمٌ مِنْهَا أَوْ افْتَقَرَ غَنِيُّ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْمُوسِرِ يَوْمَ يَحِلُّ نَجْمٌ مِنْهَا. وَمَنْ غَرِمَ فِي نَجْمٍ ثُمَّ أَعْسَرَ فِي النَّجْمِ الْآخَرِ تُرِكَ فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لاَ يَحْمِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا قَلِيلاً وَأَرَى عَلَى مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَحْمِلَ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ نِصْفَ دِينَارٍ وَمَنْ كَانَ دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ لاَ يُزَادُ عَلَى هَذَا وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُ وَعَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِبِلِ حَتَّى يَشْتَرِكَ النَّفَرُ فِي الْبَعِيرِ وَيَحْمِلَ كُلٌّ مَا كَثُرَ وَقَلَّ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَمَّلَهَا الْأَكْثَرَ دَلَّ عَلَى تَحْمِيلِهَا الْأَيْسَرَ، فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ ثُلُثَ الدِّيَةِ أَدَّتْهُ فِي مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ جُرِحَ الْمَجْرُوحُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَالزِّيَادَةُ فِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ فَفِي مُضِيِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا مَعْنَى السُّنَّةِ وَلاَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يَعْقِلُ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ وَلَهُ قَرَابَةٌ تَحْمِلُ الْعَقْلَ فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ بَعْضٍ حَمَلَ الْمَوَالِي الْمُعْتَقُونَ الْبَاقِيَ وَإِنْ عَجَزُوا عَنْ بَعْضٍ وَلَهُمْ عَوَاقِلُ عَقَلَتْهُ عَوَاقِلُهُمْ فَإِنْ عَجَزُوا وَلاَ عَوَاقِلَ لَهُمْ عَقَلَ مَا بَقِيَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ وَلاَ أُحَمِّلُ الْمَوَالِيَ مِنْ أَسْفَلَ عَقْلاً حَتَّى لاَ أَجِدَ نَسَبًا وَلاَ مَوَالِيَ مِنْ أَعْلَى ثُمَّ يَحْمِلُونَهُ لاَ أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ وَلَكِنْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ كَمَا يَعْقِلُ عَنْهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا جَنَى رَجُلٌ جِنَايَةً بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرٌ مَضَى يَلْزَمُ بِهِ خِلاَفُ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ إلَى حَاكِمِ الشَّامِ يَأْخُذُ عَاقِلَتَهُ بِالْعَقْلِ، وَقَدْ قِيلَ: يُحَمِّلُهُ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ بِبَلَدِهِ ثُمَّ أَقْرَبَ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلاَ يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ غَائِبٌ وَإِنْ احْتَمَلَ بَعْضُهُمْ الْعَقْلَ وَهُمْ حُضُورٌ فَقَدْ قِيلَ: يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلُّ. قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَوُوا فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَعْقِلُ الْحَلِيفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى بِذَلِكَ خَبَرٌ وَلاَ الْعَدِيدُ وَلاَ يُعْقَلُ عَنْهُ وَلاَ يَرِثُ وَلاَ يُورَثُ إنَّمَا يُعْقَلُ بِالنَّسَبِ أَوْ الْوَلاَءِ الَّذِي كَالنَّسَبِ وَمِيرَاثُ الْحَلِيفِ وَالْعَقْلُ عَنْهُ مَنْسُوخٌ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْحِلْفِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَةُ وَالْيَدُ وَاحِدَةً لاَ غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْجَانِي نُوبِيًا فَلاَ عَقْلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النُّوبَةِ حَتَّى يَكُونُوا يُثْبِتُونَ أَنْسَابَهُمْ إثْبَاتَ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ وَكَذَلِكَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ قَبِيلَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ أَوْ الْقِبْطِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلاَءٌ يُعْلَمُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنْ وِلاَيَةِ الدِّينِ، وَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا مَاتَ وَمَنْ انْتَسَبَ إلَى نَسَبٍ فَهُوَ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَلاَ يُدْفَعُ نَسَبٌ بِالسَّمَاعِ وَإِذَا حَكَمْنَا عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ أَلْزَمْنَا عَوَاقِلَهُمْ الَّذِينَ تَجْرِي أَحْكَامُنَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ حَرْبٍ لاَ يَجْرِي حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ أَلْزَمْنَا الْجَانِيَ ذَلِكَ وَلاَ يُقْضَى عَلَى أَهْلِ دِينِهِ إذَا لَمْ يَكُونُوا عَصَبَةً؛ لِأَنَّهُمْ لاَ يَرِثُونَهُ وَلاَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقَطْعِ الْوِلاَيَةِ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ مَالَهُ عَلَى الْمِيرَاثِ إنَّمَا يَأْخُذُونَهُ فَيْئًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي أَرْضٍ لاَ يَمْلِكُهَا وَآخَرُ حَدِيدَةً فَتَعَلَّقَ رَجُلٌ بِالْحَجَرِ فَوَقَعَ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَمَاتَ فَعَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ كَالدَّافِعِ، وَلَوْ حَفَرَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ مُحْتَمَلٍ فَمَاتَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ مَالَ حَائِطٌ مِنْ دَارِهِ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَالْمَيْلُ حَادِثٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ وَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ وَمَا وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ فَمَاتَ بِهِ إنْسَانٌ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْوَالِي فِيهِ أَوْ غَيْرُهُ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْجَنِينِ الْمُسْلِمِ بِأَبَوَيْهِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا غُرَّةٌ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ جَنِينًا أَنْ يُفَارِقَ الْمُضْغَةَ وَالْعَلَقَةَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقٍ آدَمِيٍّ أُصْبُعٌ أَوْ ظُفُرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمَتَهُ إذَا أَلْقَتْ مِنْهُ دَمًا أَنْ لاَ تَكُونَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ هَهُنَا وَلَدًا وَقَدْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ وَلَدًا وَهَذَا عِنْدِي أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ إنْ أَلْقَتْهُ مِنْ الضَّرْبِ بَعْدَ مَوْتِهَا فَفِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ تُوَرَّثُ كَمَا لَوْ خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ؛ لِأَنَّهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ دُونَ أُمِّهِ وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَلاَ شَيْءَ لَهَا فِي الْأُمِّ وَلِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْغُرَّةُ أَنْ لاَ يَقْبَلَهَا دُونَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا لاَ تَسْتَغْنِي بِنَفْسِهَا دُونَ هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا فِي الْبَيْعِ إلَّا فِي هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ فَأَعْلَى وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعِيبَةً وَلاَ خَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عَنْ الْغُرَّةِ وَإِنْ زَادَ ثَمَنُهَا بِالْخِصَاءِ وَقِيمَتُهَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فَنِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ مَجُوسِيَّةً وَأَبُوهُ نَصْرَانِيًّا أَوْ أُمُّهُ نَصْرَانِيَّةً وَأَبُوهُ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ الْجَنِينِ فِي أَكْثَرِ أَبْوَابِهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ نَصْرَانِيٍّ، وَلَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى عَتَقَتْ أَوْ عَلَى ذِمِّيَّةٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ فَفِيهِ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ: وَلاَ أَعْرِفُ أَنْ يُدْفَعَ لِلْغُرَّةِ قِيمَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لاَ تُوجَدُ فِيهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: هَذَا مَعْنَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَةِ أَنَّهَا الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا فَكَذَلِكَ الْغُرَّةُ إنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَغْرَمُهَا مَنْ يَغْرَمُ دِيَةَ الْخَطَأِ. قَالَ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ ضَمَّنَهُ مِنْ الضَّرْبَةِ حَتَّى طَرَحَتْهُ لَزِمَهُ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْجَانِي وَبَرِئَ. قَالَ وَإِنْ صَرَخَ الْجَنِينُ أَوْ تَحَرَّكَ وَلَمْ يَصْرُخْ ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ فَدِيَتُهُ تَامَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ مَكَانَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي وَعَاقِلَتِهِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَوْ خَرَجَ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ فِي حَالٍ لَمْ يَتِمَّ لِمِثْلِهِ حَيَاةٌ قَطُّ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ فِي حَالٍ تَتِمُّ فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَجِنَّةِ حَيَاةٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا سَقَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ عِنْدِي إذَا أَوْجَبَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ بِحَالٍ تَتِمُّ لِمِثْلِهِ الْحَيَاةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْقُطَ إذَا كَانَ بِحَالٍ لاَ تَتِمُّ لِمِثْلِهِ حَيَاةٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَدْ قَالَ: لَوْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَعِيشُ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَيْنِ فَفِيهِ الْقَوَدُ ثُمَّ سَكَتَ. قَالَ الْمُزَنِيّ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَذْبُوحِ يُقْطَعُ بِاثْنَيْنِ أَوْ الْمَجْرُوحِ تَخْرُجُ مِنْهُ حُشْوَتُهُ فَنَضْرِبُ عُنُقَهُ فَلاَ قَوَدَ عَلَى الثَّانِي وَلاَ دِيَةَ وَفِي هَذَا عِنْدِي دَلِيلٌ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ يَدًا وَمَاتَتْ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ؛ لِأَنِّي قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَدْ جَنَى عَلَى الْجَنِينِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ. قَالَ الْمُزَنِيّ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ يَوْمَ تُلْقِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ ضَرَبَهَا أَمَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا آخَرَ فَعَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ لِسَيِّدِهَا وَفِي الْآخَرِ مَا فِي جَنِينِ حُرَّةٍ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لِلْمَدَنِيِّينَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَلَيْسَ فِيهِ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عُشْرِ ثُمُنِ أَمَةٍ وَلَوْ كَانَ مَيِّتًا فَعُشْرُ أَمَةٍ فَقَدْ أَغْرَمْتُمْ فِيهِ مَيِّتًا أَكْثَرَ مِمَّا أَغْرَمْتُمْ فِيهِ حَيًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَقُلْت لَهُ: أَلَيْسَ أَصْلُك جَنِينَ الْحُرَّةِ الَّتِي قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى؟ قَالَ: بَلَى، قُلْت: فَجَعَلْت وَجَعَلْنَا فِيهِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسِينَ دِينَارًا إذَا لَمْ يَكُنْ غُرَّةً قَالَ: بَلَى، قُلْت: فَلَوْ خَرَجَا حَيَّيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَمَاتَا؟ قَالَ: فِي الذَّكَرِ مِائَةٌ وَفِي الْأُنْثَى خَمْسُونَ، قُلْت: فَإِذَا زَعَمْت أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا مُخْتَلِفَانِ فَلِمَ سَوَّيْت بَيْنَ حُكْمِهِمَا مَيِّتَيْنِ، أَمَا يَدُلُّك هَذَا أَنَّ حُكْمَهُمَا مَيِّتَيْنِ حُكْمُ غَيْرِهِمَا ثُمَّ قِسْت عَلَى ذَلِكَ جَنِينَ الْأَمَةِ فَقُلْت: إنْ كَانَ ذَكَرًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَعُشْرُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَلَيْسَ قَدْ جَعَلْت عَقْلَ الْأُنْثَى مِنْ أَصْلِ عَقْلِهَا فِي الْحَيَاةِ وَضِعْفَ عَقْلِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْلِ عَقْلِهِ فِي الْحَيَاةِ لاَ أَعْلَمُك إلَّا نَكَسْت الْقِيَاسَ، قَالَ: فَأَنْتَ قَدْ سَوَّيْت بَيْنَهُمَا قُلْت: مِنْ أَجْلِ أَنِّي زَعَمْت أَنَّ أَصْلَ حُكْمِهِمَا حُكْمُ غَيْرِهِمَا لاَ حُكْمُ أَنْفُسِهِمَا كَمَا سَوَّيْت بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ جَنِينِ الْحُرَّةِ فَكَانَ مَخْرَجُ قَوْلِي مُعْتَدِلاً فَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ حَيًّا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ {أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ عليه السلام كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ عليه السلام إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ عليه السلام إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، فَقَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لاَ قَالَ: فَتَحْلِفُ يَهُودُ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ مِائَةَ نَاقَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ لِلْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ وَأَنْتَ لاَ تُحَلِّفُ إلَّا الْأَوْلِيَاءَ قِيلَ: يَكُونُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ لِأَخِي الْمَقْتُولِ الْوَارِثِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: تَحْلِفُونَ لِوَاحِدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الْيَمِينَ لاَ تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَدْفَعُ بِهَا الْمَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ يَأْخُذُ بِهَا مَعَ شَاهِدِهِ وَلاَ يَجُوزُ لِحَالِفِ يَمِينٍ يَأْخُذُ بِهَا غَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ مِثْلُ السَّبَبِ الَّذِي قَضَى فِيهِ عليه الصلاة والسلام بِالْقَسَامَةِ حَكَمْت بِهَا وَجَعَلْت الدِّيَةَ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ قِيلَ: وَمَا السَّبَبُ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ قِيلَ: كَانَتْ خَيْبَرُ دَارَ يَهُودَ مَحْضَةً لاَ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَبَيْنَهُمْ ظَاهِرَةً وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَوُجِدَ قَتِيلاً قَبْلَ اللَّيْلِ فَيَكَادُ يَغْلِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا بَعْضُ الْيَهُودِ فَإِذَا كَانَتْ دَارُ قَوْمٍ مَحْضَةً أَوْ قَبِيلَةٍ وَكَانُوا أَعْدَاءَ لِلْمَقْتُولِ فِيهِمْ، وَفِي كِتَابِ الرَّبِيعِ أَعْدَاءَ لِلْمَقْتُولِ أَوْ قَبِيلَتِهِ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ فَلَهُمْ الْقَسَامَةُ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ نَفَرٌ بَيْتًا أَوْ صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ أَوْ صَفَّيْنِ فِي حَرْبٍ أَوْ ازْدِحَامِ جَمَاعَةٍ فَلاَ يَفْتَرِقُونَ إلَّا وَقَتِيلٌ بَيْنَهُمْ أَوْ فِي نَاحِيَةٍ لَيْسَ إلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلاَ أَثَرٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُخَضَّبٌ بِدَمِهِ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ أَوْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِيهَا يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَمْ يَعْدِلُوا أَوْ يَشْهَدُ عَدْلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْ هَذَا يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا ادَّعَى وَلِيُّهُ وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَتِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ بِهِ جُرْحٌ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِمَا لاَ أَثَرَ لَهُ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ لَمْ يُسْمَعْ الْوَلِيُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ وَلاَ أَنْظُرُ إلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ وَلِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لاَ يَعْلَمُهُمْ الْحَاكِمُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ مَا يَعْلَمُ بِهِ الْغَائِبُ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تَحْلِفُوا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ وَتُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ مَتَى حَلَفُوا مُسْلِمِينَ كَانُوا عَلَى مُشْرِكِينَ أَوْ مُشْرِكِينَ عَلَى مُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ وَوَارِثُ دِيَتِهِ وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ فِي عَبْدِهِ عَلَى الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ. قَالَ وَيُقْسِمُ الْمُكَاتَبُ فِي عَبْدِهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ فَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ حَتَّى عَجَزَ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقْسِمَ. قَالَ وَلَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِأُمِّ وَلَدٍ فَلَمْ يُقْسِمْ سَيِّدُهَا حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى لَهَا بِثَمَنِ الْعَبْدِ لَمْ تُقْسِمْ وَأَقْسَمَ وَرَثَتُهُ وَكَانَ لَهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ الْوَرَثَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلاَ لَهَا شَيْءٌ إلَّا أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. قَالَ وَلَوْ جُرِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أُبْطِلَتْ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ كَانَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لِلْوَارِثِ، وَلَوْ جُرِحَ وَهُوَ عَبْدٌ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ حُرًّا وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ وَلِسَيِّدِهِ الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ فِي جِرَاحِهِ وَلاَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِي دُونِ النَّفْسِ وَلَوْ لَمْ يُقْسِمْ الْوَلِيُّ حَتَّى ارْتَدَّ فَأَقْسَمَ وُقِفَتْ الدِّيَةُ فَإِنْ رَجَعَ أَخَذَهَا وَإِنْ قُتِلَ كَانَتْ فَيْئًا وَالْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ لَهَا فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ يَمِينٌ وَفِي الدِّمَاءِ خَمْسُونَ يَمِينًا، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْعَمْدِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا فَقَالَ: بَلْ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا قَتَلَهُ إلَّا خَطَأً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِقَتْلِهِ عَمْدًا وَكَانَ لَهُ الْقَوَدُ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْقِيَاسُ عَلَى أَقَاوِيلِهِ فِي الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا فِي النُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِي النُّكُولِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ مِنْهَا فِي مَالِهِ مَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمَحْجُورِ وَالْجِنَايَةُ خِلاَفُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ يَحْلِفُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ؟ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً رُئِيَ بِالْمَشْرِقِ اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ رُئِيَ بِالْمَغْرِبِ فَبَاعَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَصَابَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا أَنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ لَقَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَلاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَاَلَّذِي قُلْنَا قَدْ يَصِحُّ عِلْمُهُ بِمَا وَصَفْنَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَك؟ فَإِنْ قَالَ: فُلاَنٌ، قَالَ: وَحْدَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: عَمْدًا أَوْ خَطَأً؟ فَإِنْ قَالَ: عَمْدًا، سَأَلَهُ: وَمَا الْعَمْدُ؟ فَإِنْ وَصَفَ مَا فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَصَفَ مِنْ الْعَمْدِ مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَيْهِ وَالْعَمْدُ فِي مَالِهِ وَالْخَطَأُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، فَإِنْ قَالَ: قَتَلَهُ فُلاَنٌ وَنَفَرٌ مَعَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ حَتَّى يُسَمِّيَ النَّفَرَ أَوْ عَدَدَهُمْ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ، وَلَوْ أَحْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَمْدًا وَلاَ خَطَأً أَعَادَ عَلَيْهِ عَدَدَ الْأَيْمَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُحَلَّفُ وَارِثُ الْقَتِيلِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً فَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ كَبِيرًا وَصَغِيرًا أَوْ غَائِبًا وَحَاضِرًا أَكْذَبَ أَخَاهُ وَأَرَادَ الْآخَرُ الْيَمِينَ قِيلَ لَهُ: لاَ تَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ شِئْت فَاحْلِفْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَخُذْ مِنْ الدِّيَةِ مُورَثَك وَإِنْ امْتَنَعْت فَدَعْ حَتَّى يَحْضُرَ مَعَك وَارِثٌ تُقْبَلُ يَمِينُهُ فَيَحْلِفَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا، فَإِنْ تَرَكَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَ عَشْرَةَ يَمِينًا يُجْبَرُ عَلَيْهِمْ كَسْرُ الْيَمِينِ فَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ ابْنًا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا يُجْبِرُ الْكَسْرَ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ قَامَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ الْقَسَامَةُ حَتَّى مَاتَ ابْتَدَأَ وَارِثُهُ الْقَسَامَةَ وَلَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ لِجَمِيعِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ وَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ عَدْلٌ: مَا قَتَلَهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ بِبَلَدٍ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى رَجُلٍ يُبَرِّئُهُ وَارِثُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ قِيَاسُ قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ الْقَسَامَةُ حَلَفَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ إنْكَارُ الْآخَرِ كَمَا لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا لِأَبِيهِمَا بِدَيْنٍ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ مَا ادَّعَاهُ أَخُوهُ وَأَكْذَبَهُ أَنَّ لِلْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ الْيَمِينَ وَيَسْتَحِقُّ كَذَلِكَ لِلْمُدَّعِي مَعَ السَّبَبِ الْقَسَامَةُ وَيَسْتَحِقُّ فَالسَّبَبُ وَالشَّاهِدُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ الْيَمِينَ وَالِاسْتِحْقَاقَ إلَّا أَنَّ فِي الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَفِي غَيْرِهِ يَمِينٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَكِنْ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَ أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ وَرَجُلٌ لاَ أَعْرِفُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَ أَبِي زَيْدُ بْنُ عَامِرٍ وَرَجُلٌ لاَ أَعْرِفُهُ فَهَذَا خِلاَفٌ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي عَرَفَهُ الْآخَرُ فَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقَسَامَةِ، وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ: قَدْ عَرَفْت زَيْدًا وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَرَفْت عَبْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مَعَ زَيْدٍ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الْقَسَامَةُ عَلَى الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ حَتَّى تَجْتَمِعَ دَعْوَاهُمَا عَلَى وَاحِدٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ قَدْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَهُ فِي الدَّمِ يَحْلِفَانِ مَعَ السَّبَبِ كَالشَّرِيكَيْنِ عِنْدَهُ فِي الْمَالِ يَحْلِفَانِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِذَا أَكْذَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فِي الْحَقِّ حَلَفَ صَاحِبُهُ مَعَ الشَّاهِدِ وَاسْتَحَقَّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكْذَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ فِي الدَّمِ حَلَفَ صَاحِبُهُ مَعَ السَّبَبِ وَاسْتَحَقَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَمْنَعُ إمْكَانَ السَّبَبِ أَوْ بِإِقْرَارٍ وَقَدْ أُخِذَتْ الدِّيَةُ بِالْقَسَامَةِ رُدَّتْ الدِّيَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وَجَبَتْ لِرَجُلٍ قَسَامَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ لَقَدْ قَتَلَ فُلاَنٌ فُلاَنًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ مَا شَارَكَهُ فِي قَتْلِهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَعَهُ حَلَفَ لَقَتَلَ فُلاَنٌ وَآخَرُ مَعَهُ فُلاَنًا مُنْفَرِدَيْنِ بِقَتْلِهِ مَا شَارَكَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا، وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ بَرَأَ مِنْ الْجِرَاحِ زَادَ وَمَا بَرَأَ مِنْ جِرَاحَةِ فُلاَنٍ حَتَّى مَاتَ مِنْهَا وَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ كَذَلِكَ مَا قَتَلَ فُلاَنًا وَلاَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَلاَ نَالَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلاَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ وَلاَ وَصَلَ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْمِي فَيُصِيبُ شَيْئًا فَيَطِيرُ الَّذِي أَصَابَهُ فَيَقْتُلُهُ وَلاَ أَحْدَثَ شَيْئًا مَاتَ مِنْهُ فُلاَنٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْفِرُ الْبِئْرَ وَيَضَعُ الْحَجَرَ فَيَمُوتُ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَزِدْهُ السُّلْطَانُ عَلَى حَلِفِهِ بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ أَوْ فِي صَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ فَلاَ قَسَامَةَ وَإِنْ ادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا مَنْ أَثْبَتُوهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانُوا أَلْفًا فَيَحْلِفُونَ يَمِينًا يَمِينًا؛ لِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى خَمْسِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وُلاَةُ الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ إنْ كَانَ خَطَأً. قَالَ وَفِي دِيَاتِ الْعَمْدِ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ فِي مَالِهِ وَالْجِنَايَةُ خِلاَفُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إلَّا فِي إقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ لاَ قِصَاصَ فِيهَا فَإِنَّهُ لاَ يُبَاعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَمَتَى عَتَقَ لَزِمَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ فَكَمَا لَمْ يَضُرَّ سَيِّدَهُ إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ الْمَالَ فَكَذَلِكَ لاَ يَضُرُّ عَاقِلَةَ الْحُرِّ قَوْلُهُ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَكْرَانَ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى يَصْحُوَ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ طَلاَقِ السَّكْرَانِ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ وَلاَ يُمَيِّزُ وَقَدْ قِيلَ: لاَ يَبْرَأُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلاَ يُحْتَسَبُ لَهُمْ يَمِينٌ غَيْرُهُ، وَهَكَذَا الدَّعْوَى فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِي الْيَدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَفِي الْمُوضِحَةِ ثَلاَثَةُ أَيْمَانَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ بَابٍ مِنْ الْقَسَامَةِ وَلاَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِي دُونِ النَّفْسِ وَهَذَا عِنْدِي أَوْلَى بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} يَعْنِي فِي قَوْمٍ فِي دَارِ حَرْبٍ خَاصَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ قَوَدًا وَلاَ دِيَةً إذَا قَتَلَهُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ مُسْلِمًا وَذَلِكَ أَنْ يُغِيرَ أَوْ يَقْتُلَهُ فِي سَرِيَّةٍ أَوْ يَلْقَاهُ مُنْفَرِدًا بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي دَارِهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ وَفِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْعَمْدِ أَوْلَى. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ فَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً سَوَاءٌ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ.
مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ خَطَأً وَلاَ عَمْدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا فَلاَ يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْهُمَا مَرْفُوعٌ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: لاَ يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَلاَ يَرِثُ قَاتِلُ خَطَأٍ مِنْ الدِّيَةِ وَيَرِثُ مِنْ سَائِرِ مَالِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: هَلْ رَأَيْتُمْ وَارِثًا يَرِثُ بَعْضَ مَالِ رَجُلٍ دُونَ بَعْضٍ إمَّا أَنْ يَرِثَ الْكُلَّ أَوْ لاَ يَرِثَ شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله يَدْخُلُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَبَيْنَ الْبَالِغِ الْخَاطِئِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَيَجْعَلُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةَ وَيَرْفَعُ عَنْهُمْ الْمَأْثَمَ فَكَيْفَ وَرِثَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَهُمْ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. قَالَ وَيَدْخُلُ عَلَى أَصْحَابِنَا مَا دَخَلَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاتِلِ خَطَأٍ لاَ يَرِثُ وَقَاتِلِ عَمْدٍ خَبَرٌ يَلْزَمُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَتْ فِيهِ الْحُجَّةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَمَعْنَى تَأْوِيلِهِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَرْقٌ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا لاَ يَرِثَانِ وَقَدْ قَطَعَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَالَ: إذَا قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ، أَوْ الْبَاغِي الْعَادِلَ لاَ يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلاَنِ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ وَجِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْحُدُودِ سِوَى الزِّنَا إلَّا عَدْلاَنِ وَيُقْبَلُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ وَشَاهِدٌ فِيمَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ مِثْلُ الْجَائِفَةِ وَجِنَايَةِ مَنْ لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْتُوهٍ وَصَبِيٍّ وَمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ وَحُرٍّ عَلَى عَبْدٍ وَأَبٍ عَلَى ابْنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ فَإِنْ كَانَ الْجِرَاحُ هَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً لَمْ أَقْبَلْ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي شُجَّ إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ مُوضِحَةٍ فَعَلْت؛ لِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَزِيَادَةٌ. قَالَ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَقَفْتهمَا فَإِنْ قَالاَ: فَأَنْهَرَ دَمَهُ وَمَاتَ مَكَانَهُ قَبِلْتُهُمَا وَجَعَلْته قَاتِلاً، وَإِنْ قَالاَ: لاَ نَدْرِي أَنْهَرَ دَمَهُ أَمْ لاَ بَلْ رَأَيْنَاهُ سَائِلاً لَمْ أَجْعَلْهُ جَارِحًا حَتَّى يَقُولاَ: أَوْضَحَهُ هَذِهِ الْمُوضِحَةَ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلاَهُ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلاَهُ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَلِيُّ الدَّمِ مَعًا أَبْطَلْت الشَّهَادَةَ وَإِنْ صَدَّقَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا أَوَّلاً قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْت الْآخَرَيْنِ دَافِعَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ صَدَّقَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا آخِرًا أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِشَهَادَتِهِمَا مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَمْ يَقُلْ: خَطَأً وَلاَ عَمْدًا جَعَلْته قَاتِلاً وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَإِنْ قَالَ: عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَالَ: خَطَأً أُحْلِفَ مَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي مُضِيِّ ثَلاَثِ سِنِينَ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ غُدْوَةً وَقَالَ الْآخَرُ: عَشِيَّةً، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَذِّبٌ لِصَاحِبِهِ وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ مُلَفَّفًا فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنَا أَنَّهُ كَانَ حَيًّا لَمْ أَجْعَلْهُ قَاتِلاً وَأَحْلَفْتُهُ مَا ضَرَبَهُ حَيًّا. وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقَوَدَ وَالْمَالَ فَلاَ سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَأُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا عَفَا الْمَالَ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الْقَاتِلُ مَعَ شَهَادَتِهِ لَقَدْ عَفَا عَنْهُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ وَبَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ. وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ أَنَّهُ جَرَحَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ أَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ قَدْ يَكُونُ نَفْسًا فَيَسْتَوْجِبُ بِشَهَادَتِهِ الدِّيَةَ فَإِنْ شَهِدَ وَلَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ قَبِلْتُهُ فَإِنْ لَمْ أَحْكُمْ حَتَّى صَارَ وَارِثًا طَرَحْته وَلَوْ كُنْت حَكَمْت ثُمَّ مَاتَ مَنْ يَحْجُبُهُ وَرَّثْتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَضَتْ فِي حِينٍ لاَ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ شَهِدَ مِنْ عَاقِلَتِهِ بِالْجُرْحِ لَمْ أَقْبَلْ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ فِي وَقْتِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ مَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَأَجَازَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا كَانَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي قُرْبِ النَّسَبِ مَنْ يَحْمِلُ الْعَقْلَ حَتَّى لاَ يَخْلُصَ إلَيْهِ الْغُرْمُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ. قَالَ وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِذَا كَانَ الْقَوَدُ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَلِيُّ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِقَتْلِهِ فَيَكُونَ لَهُ قَتْلُهُ. قَالَ وَإِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ قَطْعِهِ اُقْتُصَّ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُفْعَلُ وَيُعَزَّرُ الْمَأْمُورُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا سَحَرَ رَجُلاً فَمَاتَ سُئِلَ عَنْ سِحْرِهِ؛ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْمَلُ هَذَا لِأَقْتُلَ فَأُخْطِئَ الْقَتْلَ وَأُصِيبَ وَقَدْ مَاتَ مِنْ عَمَلِي؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالَ: مَرِضَ مِنْهُ وَلَمْ يَمُتْ أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالَ: عَمَلِي يَقْتُلُ الْمَعْمُولَ بِهِ وَقَدْ عَمَدْت قَتْلَهُ بِهِ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا. قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ بَابُ مَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالسِّيرَةِ فِيهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَدُّهُ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصُّلْحَ آخِرًا كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلاَحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلاً قَبْلَ الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ؛ فَأَشْبَهَ هَذَا أَنْ تَكُونَ التَّبِعَاتُ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ وَمَا تَلِفَ مِنْ الْأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عِنْدَنَا قَدْ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَأُتْلِفَتْ فِيهَا أَمْوَالٌ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إلَى أَنْ سَكَنَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَلِمْته اُقْتُصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلاَ أُغْرِمَ مَالاً أَتْلَفَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَمَا عَلِمْت النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ مَا حَوَوْا فِي الْبَغْيِ مِنْ مَالٍ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ. قَالَ وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ضَرْبَانِ فَمِنْهُمْ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلاَمِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ وَلَهُمْ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ وَالرِّدَّةُ ارْتِدَادٌ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ وَارْتِدَادٌ بِمَنْعِ حَقٍّ كَانُوا عَلَيْهِ، وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ؟} وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا مِنْ حَقِّهَا لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهَا مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا أَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِسْلاَمِ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا شَكَّ عُمَرُ فِي قِتَالِهِمْ وَلَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَرَكُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَصَارُوا مُشْرِكِينَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أَبِي بَكْرٍ وَأَشْعَارِ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ مِنْهُمْ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ: أَلاَ أَصْبِحِينَا قَبْلَ نَائِرَةِ الْفَجْرِ لَعَلَّ مَنَايَانَا قَرِيبٌ وَمَا نَدْرِي أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَنَا فَيَا عَجَبًا مَا بَالُ مِلْكِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ الَّذِي سَأَلُوكُمْ فَمَنَعْتُمْ لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى إلَيْهِمْ مِنْ التَّمْرِ سَنَمْنَعُهُمْ مَا كَانَ فِينَا بَقِيَّةٌ كِرَامٌ عَلَى الْعَزَاءِ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ. وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بَعْدَ الْإِسَارِ: مَا كَفَرْنَا بَعْدَ إيمَانِنَا وَلَكِنَّا شَحَحْنَا عَلَى أَمْوَالِنَا فَسَارَ إلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَقِيَ أَخَا بَنِي بَدْرٍ الْفَزَارِيّ فَقَاتَلَهُ وَمَعَهُ عُمَرُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَمْضَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه خَالِدًا فِي قِتَالِ مَنْ ارْتَدَّ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَاتَلَهُمْ بِعَوَامَّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَقْدِرْ الْإِمَامُ عَلَى أَخْذِهِ بِامْتِنَاعِهِ قَاتَلَهُ، وَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى كُلُّ حَقٍّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ فَمَنَعَهُ بِجَمَاعَةٍ وَقَالَ: لاَ أُؤَدِّي وَلاَ أَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلَ، وَكَذَا قَالَ: مَنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ نُسِبَ إلَى الرِّدَّةِ فَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِتَالِهِمْ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ فَالْبَاغِي الَّذِي يُقَاتِلُ الْإِمَامَ الْعَادِلَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُمْ فِي أَنَّهُ لاَ يُعْطِي الْإِمَامَ الْعَادِلَ حَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ حُكْمِهِ وَيَزِيدُ عَلَى مَانِعِ الصَّدَقَةِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَحْكُمَ هُوَ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَلَوْ أَنَّ نَفَرًا يَسِيرًا قَلِيلِي الْعَدَدِ وَيُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لاَ يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدُوا فَأَظْهَرُوا آرَاءَهُمْ وَنَابَذُوا الْإِمَامَ الْعَادِلَ وَقَالُوا: نَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فَأَصَابُوا أَمْوَالاً وَدِمَاءً وَحَدَّدُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ وَإِذَا كَانَتْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْبُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ بَعْضَ الِامْتِنَاعِ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لاَ يُنَالُ إلَّا حَتَّى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبَتْ إمَامًا وَأَظْهَرَتْ حُكْمًا وَامْتَنَعَتْ مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي تُفَارِقُ حُكْمَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَهَا. فَإِنْ فَعَلُوا مِثْلَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلُوا مَا نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ: عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لاَ تَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ: إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ، فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلاَ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا حَتَّى يَفِيئُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ التَّرْكِ لِلْقِتَالِ أَيْ حَالَ تَرَكُوا فِيهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءُوا وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقَاتِلَ وَإِنَّمَا يُقَاتِلُ مَنْ يُقَاتِلُ فَإِذَا لَمْ يُقَاتِلْ حَرُمَ بِالْإِسْلاَمِ أَنْ يُقَاتَلَ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَإِنَّمَا يُقَالُ: اُقْتُلُوهُ لاَ قَاتِلُوهُ. نَادَى مُنَادِي عَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمَ الْجَمَلِ أَلاَ لاَ يُتْبَعُ مُدَبَّرٌ وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَأَتَى عَلِيٌّ رضي الله عنه يَوْمَ صِفِّينَ بِأَسِيرٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ لاَ أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَالْحَرْبُ يَوْمَ صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا فِي أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أَوْ مُسْتَعْلِيًا فَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةً مُمْتَنِعَةً فَحُكْمُهُ الْقِصَاصُ قَتَلَ ابْنُ مُلْجِمٍ عَلِيًّا مُتَأَوِّلاً فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَقَالَ لِوَلَدِهِ: إنْ قَتَلْتُمْ فَلاَ تُمَثِّلُوا وَرَأَى عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَقَتَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَفِي النَّاسِ بَقِيَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَا أَنْكَرَ قَتْلَهُ وَلاَ عَابَهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُقَدْ عَلِيٌّ- وَقَدْ وَلِيَ قِتَالَ الْمُتَأَوِّلِينَ- وَلاَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ قَتْلِهِ الْجَمَاعَةَ الْمُمْتَنِعَ مِثْلُهَا عَلَى التَّأْوِيلِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلاَ عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ بِارْتِدَادٍ إذَا تَابُوا قَدْ قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَاشَةَ بْنَ مُحْصِنٍ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يَضْمَنْ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا فَأَمَّا جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعَةٌ غَيْرُ مُتَأَوِّلِينَ قَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُمْ هُنَاكَ مَا وُضِعَ عَنْهُمْ هَهُنَا وَهَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْقِيَاسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا أَظْهَرُوا رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَتَجَنَّبُوا الْجَمَاعَاتِ وَأَكْفَرُوهُمْ لَمْ يَحِلَّ بِذَلِكَ قِتَالُهُمْ. بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: لاَ حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلاَثٌ لاَ نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ وَلاَ نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا وَلاَ نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَتَلُوا وَالِيَهُمْ أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا أَوْ يُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْإِمَامِ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ قَدْ سَلَّمُوا وَأَطَاعُوا وَالِيًا عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلُهُ بِهِ، قَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَهُ، قَالَ: فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: لاَ، فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَإِذَا قَاتَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ أَوْ عَبْدٌ أَوْ غُلاَمٌ مُرَاهِقٌ قُوتِلُوا مُقْبِلِينَ وَتُرِكُوا مُوَلِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْإِسَارِ، وَلَوْ أُسِرَ بَالِغٌ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلاَ يَسَعُ أَنْ يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلاَ غَيْرُ بَالِغٍ مِنْ الْأَحْرَارِ وَلاَ امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ، وَإِنَّمَا يُبَايَعُ النِّسَاءُ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَهُنَّ لاَ جِهَادَ عَلَيْهِنَّ فَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلاَ يُحْبَسُ أَسِيرُهُمْ وَإِنْ سَأَلُوا أَنْ يُنْظَرُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا عَلَى مَا يَرْجُو الْإِمَامُ مِنْهُمْ وَإِنْ خَافَ عَلَى الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ رَأَيْت تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ تُمَكِّنَهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ. وَلَوْ اسْتَعَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ قُتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَسُبُوا وَلاَ يَكُونُ هَذَا أَمَانًا إلَّا عَلَى الْكَفِّ فَأَمَّا عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَمَانٌ فَقَاتَلُوا أَهْلَ الْعَدْلِ كَانَ نَقْضًا لِأَمَانِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ فَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ قَالَ: وَأَرَى إنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ أَوْ ذَكَرُوا جَهَالَةً فَقَالُوا: كُنَّا نَرَى إذَا حَمَلَتْنَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أُخْرَى أَنَّ دَمَهَا يَحِلُّ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَوْ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ مَنْ حَمَلُونَا عَلَى قِتَالِهِ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَأُخِذُوا بِكُلِّ مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِصْلاَحِ بَيْنَهُمْ وَإِنْ أَتَى أَحَدُهُمْ تَائِبًا لَمْ يُقَصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُحَرَّمُ الدَّمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ لِي قَائِلٌ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ أَرَادَ دَمَ رَجُلٍ أَوْ مَالَهُ أَوْ حَرِيمَهُ؟ قُلْت: يُقَاتِلُهُ وَإِنْ أَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِذَلِكَ، وَرُوِيَ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ} قُلْت: هُوَ كَلاَمٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَاهُ إذَا أَتَى وَاحِدَةً مِنْ الثَّلاَثِ حَلَّ دَمُهُ فَمَعْنَاهُ كَانَ رَجُلاً زَنَى مُحْصَنًا ثُمَّ تَرَكَ الزِّنَا وَتَابَ مِنْهُ وَهَرَبَ فَقُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ رَجْمًا أَوْ قَتَلَ عَمْدًا وَتَرَكَ الْقَتْلَ وَتَابَ مِنْهُ وَهَرَبَ ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ قَوَدًا، وَإِذَا كَفَرَ ثُمَّ تَابَ فَارَقَهُ اسْمُ الْكُفْرِ وَهَذَانِ لاَ يُفَارِقُهُمَا اسْمُ الزِّنَا وَالْقَتْلِ وَلَوْ تَابَا وَهَرَبَا. قَالَ وَلاَ يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِمَنْ يُرَى قَتْلُهُمْ مُدْبِرِينَ وَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَلاَ يُعِينُ الْعَادِلُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْبَاغِيَتَيْنِ وَإِنْ اسْتَعَانَتْهُ عَلَى الْأُخْرَى حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهِ وَلاَ يُرْمَوْنَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَلاَ نَارٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَرُورَةً بِأَنْ يُحَاطَ بِهِمْ فَيَخَافُوا الِاصْطِدَامَ أَوْ يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ فَيَسَعُهُمْ ذَلِكَ دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ غَلَبُوا عَلَى بِلاَدٍ فَأَخَذُوا صَدَقَاتِ أَهْلِهَا وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ لَمْ تُعَدَّ عَلَيْهِمْ وَلاَ يُرَدُّ مِنْ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ إلَّا مَا يُرَدُّ مِنْ قَضَاءِ قَاضِي غَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ عَلَى اسْتِحْلاَلِ دَمٍ وَمَالٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ كِتَابُهُ. قَالَ وَلَوْ شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يُرَى أَنْ يَشْهَدَ لِمُوَافِقِهِ بِتَصْدِيقِهِ، فَإِنْ قُتِلَ بَاغٍ فِي الْمُعْتَرَكِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالشَّهِيدِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ كَالْمَوْتَى إلَّا مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ. قَالَ وَأَكْرَهُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَعْمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَفَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَأَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ، وَأَيُّهُمَا قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ قَتَلَ الْعَادِلُ أَبَاهُ وَرِثَهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي لَمْ يَرِثْهُ وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَأَوِّلاَنِ وَخَالَفَهُ آخَرُ فَقَالَ: لاَ يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّهُمَا قَاتِلاَنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ فَيَرِثُهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ وَرَثَتِهِمَا وَمَنْ أُرِيدَ دَمُهُ أَوْ مَالُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِ مَنْ أَرَادَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: فَالْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَمَانِ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ حُرٍّ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لِأَهْلِ بَغْيٍ أَوْ حَرْبٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلاَحِهِمْ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَذَلِكَ رَدٌّ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ عَارَضَك وَإِيَّانَا مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ مَنْ يَسْتَحِلُّ دَمَهُ فَقَالَ: الدَّمُ أَعْظَمُ فَإِذَا حَلَّ الدَّمُ حَلَّ الْمَالُ هَلْ لَك مِنْ حُجَّةٍ إلَّا أَنَّ هَذَا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ تُرَقُّ أَحْرَارُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ وَالْحُكْمُ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ خِلاَفُهُمْ، وَقَدْ يَحِلُّ دَمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْقَاتِلِ وَلاَ تَحِلُّ أَمْوَالُهُمَا بِجِنَايَتِهِمَا وَالْبَاغِي أَخَفُّ حَالاً مِنْهُمَا وَيُقَالُ لَهُمَا مُبَاحَا الدَّمِ مُطْلَقًا، وَلاَ يُقَالُ لِلْبَاغِي: مُبَاحُ الدَّمِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: يُمْنَعُ مِنْ الْبَغْيِ إنْ قُدِرَ عَلَى مَنْعِهِ بِالْكَلاَمِ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ لاَ يُقَاتِلُ لَمْ يَحِلَّ قِتَالُهُ قَالَ: إنِّي إنَّمَا آخُذُ سِلاَحَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى لِي وَأَوْهَنُ لَهُمْ مَا كَانُوا مُقَاتِلِينَ فَقُلْت لَهُ: فَإِذَا أَخَذْت مَالَهُ وَقُتِلَ فَقَدْ صَارَ مِلْكُهُ كَطِفْلٍ أَوْ كَبِيرٍ لَمْ يُقَاتِلْك قَطُّ أَفَتَقْوَى بِمَالِ غَائِبٍ غَيْرِ بَاغٍ عَلَى بَاغٍ؟ فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت لَهُمْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ تُقَوِّيك عَلَيْهِمْ أَتَأْخُذُهَا؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَقَدْ تَرَكْت مَا هُوَ أَقْوَى لَك عَلَيْهِمْ مِنْ السِّلاَحِ فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ، قَالَ: فَإِنَّ صَاحِبَنَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ قُلْت: وَلِمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فِي حَدٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ؟ وَالْبَاغِي مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ مُوَلِّيًا وَرَاجِعًا عَنْ الْبَغْيِ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلاَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَ مَنْ لاَ يَحِلُّ إلَّا قَتْلُهُ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ أَوْلَى. قَالَ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِيُنَكَّلَ بِهَا غَيْرُهُ قُلْت: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فَاصْلُبْهُ أَوْ حَرِّقْهُ أَوْ حُزَّ رَأْسَهُ وَابْعَثْ بِهِ فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْعُقُوبَةِ قَالَ: لاَ أَفْعَلُ بِهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا قُلْت لَهُ: هَلْ يُبَالِي مَنْ يُقَاتِلُك عَلَى أَنَّك كَافِرٌ لاَ يُصَلِّي عَلَيْك وَصَلاَتُك لاَ تُقَرِّبُهُ إلَى رَبِّهِ؟ وَقُلْت لَهُ: أَيُمْنَعُ الْبَاغِي أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ أَوْ يُنَاكَحَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجْرِي لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَكَيْفَ مَنَعْته الصَّلاَةَ وَحْدَهَا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَمَانُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَيْنِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ جَازَ أَمَانُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، قُلْت: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ يُقَاتِلُ أَوْ لاَ يُقَاتِلُ؟ قَالَ: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ} قُلْت: فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ عَلَى الْأَحْرَارِ فَقَدْ أَجَزْت أَمَانَ عَبْدٍ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَقَدْ رَدَدْت أَمَانَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لاَ يُقَاتِلُ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؟ قُلْت: وَيَلْزَمُك فِي أَصْلِ مَذْهَبِك أَنْ لاَ تُجِيزَ أَمَانَ امْرَأَةٍ وَلاَ زَمِنٍ؛ لِأَنَّهُمَا لاَ يُقَاتِلاَنِ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهُمَا. قَالَ فَأَذْهَبُ إلَى الدِّيَةِ فَأَقُولُ دِيَةُ الْعَبْدِ لاَ تُكَافِئُ دِيَةَ الْحُرِّ قُلْت: فَهَذَا أَبْعَدُ لَك مِنْ الصَّوَابِ. قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ وَأَنْتَ تُجِيزُ أَمَانَهَا وَدِيَةُ بَعْضِ الْعَبِيدِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَلاَ تُجِيزُ أَمَانَهُ وَقَدْ تَكُونُ دِيَةُ عَبْدٍ لاَ يُقَاتِلُ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ عَبْدٍ يُقَاتِلُ فَلاَ تُجِيزُ أَمَانَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ مَذْهَبِك. قَالَ فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا عَنَى مُكَافَأَةَ الدِّمَاءِ فِي الْقَوَدِ، قُلْت: فَأَنْتَ تُقِيدُ بِالْعَبْدِ الَّذِي لاَ يَسْوَى عَشَرَةَ دَنَانِيرَ الْحُرَّ الَّذِي دِيَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ كَانَ الْعَبْدُ يُحْسِنُ قِتَالاً أَوْ لاَ يُحْسِنُهُ قَالَ: إنِّي لاََفْعَلُ وَمَا هُوَ عَلَى الْقَوَدِ، قُلْت: وَلاَ عَلَى الدِّيَةِ وَلاَ عَلَى الْقِتَالِ قَالَ: فَعَلاَمَ هُوَ؟ قُلْت: عَلَى اسْمِ الْإِسْلاَمِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إذَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِدَارِهِمْ مِنْ أَنْ يُجْرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ التُّجَّارِ وَالْأَسْرَى فِي دَارِهِمْ مِنْ حُدُودِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ أَوْ لِلَّهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ وَلاَ الْحُقُوقُ بِالْحُكْمِ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى تَأْدِيَتُهَا إلَى أَهْلِهَا قُلْت: فَلِمَ قَتَلْته؟ قَالَ: قِيَاسًا عَلَى دَارِ الْمُحَارَبِينَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يُظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلاَ يُقَادُ مِنْهُمْ، قُلْت: هُمْ مُخَالِفُونَ لِلتُّجَّارِ وَالْأَسْرَى فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ خِلاَفًا بَيِّنًا، أَرَأَيْت لَوْ سَبَى الْمُحَارَبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَسْلَمُوا أَنَدَعُ السَّابِيَ يَتَخَوَّلُ الْمَسْبِيَّ مَرْقُوقًا لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَفَتُجِيزُ هَذَا فِي التُّجَّارِ وَالْأَسْرَى فِي دَارِ أَهْلِ الْبَغْيِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَلَوْ غَزَانَا أَهْلُ الْحَرْبِ فَقَتَلُوا مِنَّا ثُمَّ رَجَعُوا مُسْلِمِينَ أَيَكُونُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوَدٌ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ التُّجَّارُ وَالْأَسْرَى بِبِلاَدِ الْحَرْبِ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَلاَ شُبَهَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: يُقْتَلُونَ قُلْت: أَيَسَعُ قَصْدُ قَتْلِ التُّجَّارِ وَالْأَسْرَى بِبِلاَدِ الْحَرْبِ فَيُقْتَلُونَ؟ قَالَ: بَلْ يَحْرُمُ، قُلْت: أَرَأَيْت التُّجَّارَ وَالْأَسْرَى لَوْ تَرَكُوا الصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ أَيَكُونُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَلاَ يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ إلَّا مَا يَحِلُّ لَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ لاَ تُغَيِّرُ مَا أُحِلَّ لَهُمْ وَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ أَسْقَطْت عَنْهُمْ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ ثُمَّ أَنْتَ لاَ تُحِلُّ لَهُمْ حَبْسَ حَقٍّ قِبَلَهُمْ فِي دَمٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ حَبْسُهُ فَإِنَّ عَلَى الْإِمَامِ اسْتِخْرَاجَهُ عِنْدَك فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؟ قَالَ فَأَقْيَسهمْ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ الَّذِينَ أُبْطِلُ مَا أَصَابُوا قُلْت: فَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ يُقَادُ مِنْهُمْ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا. وَالتُّجَّارُ وَالْأُسَارَى لاَ إمَامَ لَهُمْ وَلاَ امْتِنَاعَ وَنَزْعُمُ لَوْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلاَ شُبْهَةٍ أَقَدْت مِنْهُمْ قَالَ: وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُحَارَبِينَ امْتَنَعُوا فِي مَدِينَةٍ حَتَّى لاَ يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمٌ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَأَتَوْا الْحُدُودَ؟ قَالَ: يُقَامُ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ، قُلْت: فَهَذَا تَرْكُ مَعْنَاك وَقُلْت لَهُ: أَيَكُونُ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ قَوْلُهُمْ: لاَ يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَيَرِثُ قَاتِلُ خَطَأٍ إلَّا مِنْ الدِّيَةِ؟ فَقُلْت: لاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا فِي الْقَاتِلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ وَأَنْتَ تُسَوِّي بَيْنَهُمَا فَلاَ تُقِيدُ أَحَدًا بِصَاحِبِهِ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ إلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ مَوْلُودًا عَلَى الْإِسْلاَمِ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ قُتِلَ وَأَيُّ كُفْرٍ ارْتَدَّ إلَيْهِ مِمَّا يُظْهِرُ أَوْ يُسِرُّ مِنْ الزَّنْدَقَةِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ رَجُلاً عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا وَقَالَ فِي الثَّانِي فِي اسْتِتَابَتِهِ ثَلاَثًا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عُمَرَ يُتَأَنَّى بِهِ ثَلاَثًا وَالْآخَرُ لاَ يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِأَنَاةٍ وَهُوَ لَوْ تَأَنَّى بِهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَأَصْلُهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُوقَفُ مَالُهُ وَإِذَا قُتِلَ فَمَالُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَيْءٌ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَكَمَا لاَ يَرِثُ مُسْلِمًا لاَ يَرِثُهُ مُسْلِمٌ وَيُقْتَلُ السَّاحِرُ إنْ كَانَ مَا يَسْحَرُ بِهِ كُفْرًا إنْ لَمْ يَتُبْ. قَالَ وَيُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ وَقَالَ: أَنَا أُطِيقُهَا وَلاَ أُصَلِّيهَا لاَ يَعْمَلُهَا غَيْرُك فَإِنْ فَعَلْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا تَتْرُكُ الْإِيمَانَ وَلاَ يَعْمَلُهُ غَيْرُك فَإِنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَمَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ أَوْ جَرَحَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَلاَ قَوَدَ وَلاَ دِيَةَ وَيُعَزَّرُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِقَتْلِهِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ الْحَاكِمُ. قَالَ وَلاَ يُسْبَى لِلْمُرْتَدِّينَ ذُرِّيَّةٌ وَإِنْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلاَمِ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ وَلاَ ذَنْبَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ آبَائِهِمْ وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَنْ وُلِدَ لِلْمُرْتَدِّينَ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُسْبَ؛ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَمْ يُسْبَوْا وَإِنْ ارْتَدَّ مُعَاهَدُونَ وَلَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَعِنْدَنَا لَهُمْ ذَرَارِيُّ لَمْ نَسْبِهِمْ، وَقُلْنَا: إذَا بَلَغُوا لَكُمْ الْعَهْدُ إنْ شِئْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إلَيْكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ حَرْبٌ. وَإِنْ ارْتَدَّ سَكْرَانُ فَمَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَلاَ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى يَمْتَنِعَ مُفِيقًا. قَالَ الْمُزَنِيّ قُلْت: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى طَلاَقِ السَّكْرَانِ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَهُ قِيلَ: إنْ أَقْرَرْت بِأَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلاَمِ لَمْ يُكْشَفْ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا جَرَحَ أَوْ أَفْسَدَ فِي رِدَّتِهِ أُخِذَ بِهِ وَإِنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ جَرَحَ مُسْلِمًا فَمَاتَ فَعَلَى مَنْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا نِصْفُ الدِّيَةِ.
|